وصل الصراع بين النقابات في فرنسا والرئيس نيكولا ساركوزي بشأن مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد إلي مرحلة حاسمة عشية تصويت مجلس الشيوخ اليوم علي المشروع الذي تؤكد الحكومة الفرنسية أنه السبيل الوحيد للقضاء علي العجز.
وبينما توقفت القطارات والحافلات مرة أخري في مختلف أنحاء البلاد, ولا يزال الكثير من الفصول الدراسية مغلقة تتصاعد أدلة بأن الجانبين يمكن أن يخرجا من النزاع كخاسرين.
وبعد أسبوع من التعبئة غير المسبوقة منذ بداية حركة الاحتجاج ضذ قانون التقاعد الذي يقضي برفع سن التقاعد من60 إلي62 عاما, يبلغ التحرك مرحلة حاسمة حيث أصيبت فرنسا بالشلل أمس عطل شريان حياتها الرئيسي مع اطلاق المحتجين الغاضبين يوما سادسا من الإضراب الكبير ضم سائقي الشاحنات وعمال المصافي والموانئ لمنع الوصول إلي مستودعات البنزين وعرقلة حركة المرور علي الطرقات في تآكيد علي أنه لا نهاية سريعة للإضرابات التي دخلت أسبوعها الثاني. ونتيجة للنهج المتشدد للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رفعت النقابات سقف مقامرتها في هذه الأزمة وبدلا من إضرابات يوم واحد ستكون الاضرابات في السكك الحديدية ومصافي البترول وغيرهما من القطاعات لفترة غير محددة.
وأكد زعماء النقابات أنهم بعيدون عن فكرة الإضراب العام لكنهم سيأملون في عودة المشهد الذي حدث عام1995 عندما أجبر إضراب طويل ومكلف بالسكك الحديدية رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه علي اسقاط خططه بشأن المعاشات.
وأعلن اتحاد الموردين المستقلين للبترول في فرنسا أمس أن أكثر من ألف محطة لتوزيع الوقود أصبحت تعاني من شح كلي أو جزئي في الوقود بسبب الاحتجاجات. وقال الكسندر دي بينوا المندوب العام لاتحاد الموردين: نعتقد أنه من أصل ما مجموعه أربعة آلاف محطة وقود توزع60% من المحروقات في فرنسا هناك نحو1500 محطة تعاني من نقص في أحد المنتجات أو من شح كامل, مضيفا: إن ما بين20 و25% من قدراتنا علي التوزيع متوقفة أو تعاني من صعوبات.
وعمد بعض السائقين الذين لا يحق لهم استخدام شاحناتهم دون إخطار مسبق بالإضراب إلي الالتفاف علي ذلك باستخدام سياراتهم الشخصية لتعطيل الشاحنات. كما نظم سائقو الشاحنات في العديد من الأماكن حواجز أو عمليات عرقلة وإبطاء للسير التي يطلق عليها في فرنسا عمليات الحلزون.
وفي هذه الأثناء بدأ ناقلو الأموال أيضا الدخول في المعركة, ما يثير مخاوف من نقص في السيولة. كما شهد قطاع النقل العام أمس اضطرابا في سانتتيان وتولوز. وأعلنت النقابات الرئيسية الأربع في قطاع السكك الحديد أمس تصعيدا كبيرا في الاضراب, متوعدة بتحركات بين القطاعات من شأنها أن تكون موجعة لجهة العواقب الاقتصادية. كما أصيب قطاع الطيران بالشلل ليعزل فرنسا جزئيا عن العالم بعدما فقدت قدرتها علي تنفيذ أي رحلات جوية من عدد كبير من مطاراتها. كما فقدت قدرتها علي استقبال الطائرات القادمة من الخارج, وكان أحدث المطارات المنضمة إلي هذا الشلل الجزئي هما مطاري أورلي ورواسي في العاصمة باريس حيث تم إلغاء50% من الرحلات الجوية في مطار أورلي, و30% من الرحلات من مطار; رواسي بسبب إضراب عمال توزيع الوقود حيث واصل عمال المصافي إضرابهم. وفي هذه الأثناء, استمرت حركة الاحتجاج في المدارس الثانوية التي انضم طلبتها الاسبوع الماضي الي حركة الاحتجاج, حيث تظاهر نحو2800 تلميذ في سين ومارن أمس كما تظاهر800 تلميذ في بوردو ضد اصلاح نظام التقاعد مرددين هتافات: ساركو انتهيت, فالشباب في الشارع. وتعطلت251 مؤسسة- من أصل أربعة آلاف في فرنسا- حسب الحكومة و850 حسب نقابة طلاب الثانويات. وادت بعض عمليات غلق الثانويات الي صدامات بين الشبان وقوات الامن. وأمام هذه الأزمة الخانقة, لم تتوقف الاجتماعات الوزارية في قصر الأليزية حتي خلال عطلة نهاية الأسبوع لمواجهة احتمال أن تلجأ النقابات إلي تعطيل المزيد من القطاعات الاقتصادية, ومحاصرة الحكومة في الشارع, عبر المزيد من الإضرابات.
وأنشأت اجتماعات الأليزيه, خلية أزمة وزارية لمعالجة نتائج الإضراب. ونصحت وزارة النقل السائقين, بضبط النفس, وتفادي الازدحام أمام محطات الوقود, واستشارة الشبكة الألكترونية, التي تنشر خلية الأزمة عليها, لائحة المحطات قيد الخدمة. وفي مواجهة النقابات, لجأت الحكومة تدريجيا إلي إجراءات استثنائية لتوفير الوقود, إذ أمر محافظو الإقاليم بعض المضربين بالعودة إلي تشغيل المصافي المغلقة, استنادا إلي قانون يتيح نقض حق الإضراب عندما يعرض ذلك أمن البلاد الاقتصادي للخطر.
جاء ذلك بينما تواصل النقابات والشرطة لعبة القط والفأر حول مستودعات تخزين الوقود. إذ ما أن تهاجم الشرطة مستودعا لتحريره من المضربين, ينتقل هؤلاء إلي إغلاق مستودعات أخري. أما بالنسبة للرئيس الفرنسي العنيد فقد عاد أمس إلي تكرار موقف حكومته الثابت بأنها ستستمر في هذا الاصلاح الرئيسي في ولايته الخمسية حتي النهاية ولن تذهب أبعد من ذلك في التنازلات. وصرح ساركوزي أمس بأنه عازم علي المضي قدما لتعديل نظام التقاعد.
جاء ذلك في الوقت الذي وصلت فيه شعبية ساركوزي إلي أدني مستوي لها منذ18 شهرا قبل الانتخابات الرئاسية المقرر أن تجري عام2012. وتظهر جميع استطلاعات الرأي أن نحو7 من كل10 من البالغين الفرنسيين-70%- يعارضون إصلاح المعاشات التي يصفها ساركوزي بأنها أهم بند في أجندة التشريع لولايته التي تستمر خمسة أعوام.
وأصبح نظام المعاشات بالفعل قضية انتخابية حيث يقول الاشتراكيون المعارضون إنهم سيلغونه إذا فازوا في انتخابات عام2012. وبالاضافة إلي ذلك سيري الكثير من الناس الموقف المتشدد للحركة المناهضة للاصلاح باعتباره نتيجة لتعنت ساركوزي. وقال رئيس الكونفدرالية الديمقراطية الفرنسية للعمل الذي يتبني نهجا معتدلا فرنسوا شيراك لاذاعة فرنسا2- إن الحكومة تثير تلك الراديكالية وحذر من أن الحكومة من المؤكد أنها ستعاني من العواقب في الانتخابات الرئاسية وبعدها.