لحظات قبل انطلاق الحافلة

السلام عليكم

هو يوم عادي بامتياز سويعاته مليئة بالمفاجآت المقروءة كنت أبتغي لحظتها المروق إحدى الحافلات العامة والتي تختص بالمسافات القصيرة ( يعني قْضي أوو عدِّي ) حين أحسست بجسد صغير يمرق بين الحشود المتطاولة للصعود فالثمن بخس كفيل بأن يكون السبب في كل الإكتضاض ولو فوق الحمل أو كما يقال (sur charge )
كان ينحشر بجسده الغض متمايلا يمنة ويسرة فكان من بين الأوائل صعودا ، كانت على ظهره محفظة غريبة ظهورها في عطلة مدرسية وما إن استقر الجميع في أماكنهم حتى انطلق صوت رفيع ليافع ذي الثمان سنوات ممسكا بخليط من المفكهات : ( المسكة والفنيد امضغ أكول لحديد )!!
شخصت الأبصار في المتزاحم الصغير وهو يعرض سلعته المقسّطة ( هانا جيت أوو جايب الجْديد شكلاط أوو كولشي لذيذ )
بالفعل تضيع كلماته المنمقة وسط ضجيج المكان وفوضويته قبل أن أن يعقد العزم ثانية مجددا طاقته الصوتية في همة ملحوظة ( الشكلاط غير بدررررهم الله إنجّيك من الهمْ )
تتطلع الشخوص للمصدر بينما يواصل هو في نظم قوافيه تغزلا في الحلوى مجازا ( كولي البنان يا حنان كولي البنان أوو شربي الليمون راه يتْقاد ليك الميمون ــ الحظ ــ )
حين تغزو الإبتسامة أكثر الوجوه المقضبة تزداد حماسة الصغير وهو يوزع مبيعاته على الراغبين فيصدح مجددا معرفا بفوائد لبّانه العجيب ( خذي آ لالة راها كتحيد السوسة أوو تاتجيب الزْهر للمتعوسة أوو تاترد الشارفة عْروسة )
وبعد أن تجري الدريهمات في كفه منشرحا يصيح ( فنيد فِْليو لي فيه الرْواح يَدّي لوو ) تارة بمقابل وطورا كصدقة ( دايزة فيه مسيكين )سرعان ما ترافقها دعوات صادقة من أمهات أشفقن عليه من هموم يحملها أكبر منه
( عاونونا أوو شجعونا آلخووت خنز الدنْيا راه إفوت ) كان يحث الركاب ويذكي حماستهم متحايلا على لقمة العيش جعلت منه أصغر وأطرف مندوب مبيعات لمنتوجات وسلع مجهولة الهوية من غير أن تكون له الحظوة في ولوج قاموس غينيز للأرقام القياسية إسوة ب (( أثيثي )) الطفلة النيبالية ذات الثلاثة ربيعا والتي دخلت الكتاب من بابه الرحب كأصغر مغنية في العالم تُطلق ألبوما غنائيا فالدنيا فعلا حظوظ { وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } قد تظل قليلة كدريهماته اللهم إلا إذا وُجِد كتاب للأرقام يختص بالبؤس الذي يبعد الأطفال من المدارس والزج بهم في أتون قساوة الحياة يحاول فتانا ترطيبها بطرافته ( هاذ الشوكلاط كيدير جوج دْراهم أنا كنبيعو غير بْدررررهم يا الفاهم ؛ علاش بعدا ؛ لحقاش مول المعمل مات .. أوو مْراتو هبلات .. دّاتو لسّوق أوو باعتو باش بْغات )
وقبل أن تتحرك الحافلة يسرع صغيرنا بلملمة محتوياته المختطلة بريالاته وسط ضحكات وابتسامات منهيا جولته لينفح السائق ومساعده بقطعتي حلوى كإتاوة بريئة مقابل تسامح لمرة مقبلة يقبلونها برحابة ثم يودع نازلا تاركا الركاب في ثنايا حواراتهم المتواترة
وتقبلو تحيات عبد العزيز

اخي عبد العزيز

جميله قصه كفاح هذا الطفل ولو ان من حقه ان يعيش طفولته

ويتعلم ويتمتع بحياه كريمه ويدخل موسوعه جينس من باب اخر

غير باب الشقاء كم هم مظلومون ابناء الفقراء في بلادنا

وكم نفقد قدرات قد تكون شخصيات عظيمه في المستقبل

بسبب الفقر

اخي الكريم اعجبتني الحكايه وما اكثر الحكايات المأساويه في بلادنا

تحياتي

السلام عليكم

أصبت أخي العزيز فالحال في بلادنا يحتاج لتصحيح جذري ولسنا مخصوصين لو أصدقنا النيات وكان العدل أساسا في المجتمعات ويحضرني تشبيه حرفي لمعاناتنا ( ففي الغرب 20 بالمائة أغنياء يخدمون ثمانين بالمائة من العوام أما في بلداننا فالعشرون بالمائة من أغنيائنا تخدمهم الثمانون الباقية )

لقد أوجد الصبي لنفسه عملا بينما عجز حملة الشهادات عن إيجاده وهم عالة على أسرهم حتى وهم يتخطون الثلاثين فما فوق

فالتعليم لا يغني عن التعلم في شتى ميادين الحياة مادام غير مرهق للبراعم وقد علمنا الشارع أثمن مما تعلمناه على القمطر تقنينا تتقاذفه السياسات الخارجية منها قبل الداخلية

شكرا أخي على الزيارة والإنارة وحسن الإثارة


لك تحياتي

عبد العزيز