كتبت صحيفة إندبندنت البريطانية في افتتاحيتها تقول: في خطابه أمام حزب العمال البريطاني بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير محذرا "لقد اهتز الميزان، وكفتاه تتأرجحان، سرعان ما سيستقر مرة أخرى. وبينما ننتظر أن يحدث ذلك، دعونا نعيد تشكيل العالم من حولنا".
استذكار تلك الكلمات اليوم يدلنا على مدى القوة والاعتزاز التي تحملها، ولكن في نفس الوقت يمكن أن نرى مدى ضلالها. إن إعادة التشكيل التي تحدث عنها بلير كلفتنا حربين، وأكثر بقليل.
وتقول الصحيفة، اليوم وبعد عقد من نطق بلير بتلك الكلمات، يهتز الميزان الجغرافيا السياسية مرة أخرى. وفي أقل من شهرين من بدء الاحتجاجات في شوارع تونس، يتضح لنا شيئا فشيئا مدى عدم قدرتنا على إعادة تشكيل أي شيء ولا حتى في الجزء القريب منا من العالم.
سرعة الأحداث تحبس الأنفاس. في الأسبوع الماضي فقط، حاولت الأسرة المالكة البحرينية قمع الاحتجاجات التي قام بها جزء من الشعب، ولكن سرعان ما لجأت في نهاية المطاف إلى إجراء محادثات مع المعارضة.
رمال متحركة
أدت الاحتجاجات في الجزائر واليمن إلى اشتباكات عنيفة، وبينما يستمر المصريون في الاحتفال بسقوط مبارك، تحركت الرمال تحت أقدام حكام إيران والمغرب امتدادا إلى أذربيجان.
لكن يبدو أن المواجهات الأعنف قد وقعت في شرق ليبيا، حيث يقال إن العقيد معمر القذافي نشر الأسلحة الثقيلة والمرتزقة الأفارقة في مسعى للحفاظ على حكمه، والموقف الضبابي يشير إلى سقوط مائتي شخص وجرح المئات وربما سقوط بنغازي.
" تعلمنا من درس أزمة السويس عام 1956 أن محاولة التحكم بمجرى التاريخ لا ينتج عنها سوى أننا نزيد الطين بلة " |
وبينما تسود المنطقة من شرقها إلى غربها حالة من الغليان، يبدو أن رياح التغيير ستهب على جميع أنحاء هذه المنطقة من العالم، ولن يكون بمنأى عنها حتى تلك الحكومات التي قامت بنوع من الإصلاحات.
عجز وقصور
والحالة هذه -تقول الصحيفة- يبدو أن قدرتنا تنحصر في التحذير أكثر منها في القدرة على الاستنتاج. نقول إن قدرتنا منحصرة في التحذير لأنه بينما كان العالم قادرا على متابعة الأحداث في مصر والبحرين دقيقة بدقيقة، فإن الإعلام شبه مشلول عندما يتعلق الأمر بإيران وليبيا، وبالتالي من الصعب قياس مدى الاضطرابات هناك، ولولا شجاعة بعض المواطنين الليبيين الذين زودوا العالم بلقطات من هنا وهناك عما يجري من تجاوزات، لما كان هناك أي مصدر آخر للمعلومات عن ما يجري في ليبيا.
وتمضي الصحيفة البريطانية بالقول: أما عجزنا عن الاستنتاج فيتعلق بطبيعة المعايير المزدوجة التي دأب الغرب على انتهاجها. وفي الوقت الذي قد يصح إلى حد ما أن نقول إن علاقات الولايات المتحدة قد نجحت في فرض انعطافة على مسيرة الأمور في البحرين والمتمثلة بدعوة ملك البحرين المعارضة للحوار، فإن المقياس نفسه لا ينطبق على التقارب الذي قامت به بريطانيا مع نظام القذافي، حيث فشلت في فعل ما فعلته علاقات الولايات المتحدة بمصر والبحرين. إن ما يحدث الآن في ليبيا هو حصاد ما زرعنا.
جرس الإنذار الآخر الذي يدق باستمرار هو عدم قدرة الدول الغربية على التدخل، حيث لا تملك ما هو أكثر من الدعم المعنوي لتساعد به المطالبين بالديمقراطية الثائرين على حكام غير ديمقراطيين ساهمنا نحن في بقائهم في السلطة.
المصالح الأمنية وواردات النفط قد تكون على المحك، ولكننا تعلمنا من درس أزمة السويس عام 1956 أن محاولة التحكم بمجرى التاريخ لا ينتج عنها سوى أننا نزيد الطين بلة