كيف نعالج مشكلة الطفل الإنطوائي ؟؟؟
الرد:
من الطبيعي أن نجد الأطفال موفوري النشاط، دائبي الحركة، كثيري الأسئلة، يحبون اللعب، ويتفاعلون مع الأطفال الآخرين المقاربين لهم في العمر، وقد يضيق بعض
الناس بهذه الحركة، وبهذا النشاط، ويحلمون بأطفال ساكنين هادئين، لا يصدر منهم صوت، ولا ينتج عن لعبهم خسائر، لكن الحقيقة أنهم بذلك إنما يحلمون بأطفال لديهم مشكلاتا نفسية، لأن لكل مرحلة من النمو حاجاتها ونشاطها، فإذا كان هناك خلل في هذا النشاط، فلابد من التوقف الفوري، لبحث الدوافع وراء هذا السلوك غير
الطبيعي.
الطفل الانطوائي:
هو ذلك الطفل الذي لا يحب اللعب مع جماعة الأقران، وغالبا ما يعاني هذا الطفل من توترات داخلية. فالتعامل بحدة وعنف وانفعال زائد مع الطفل، وبخاصة هؤلاء
الأطفال ذوي النفسية الحساسة، قد يكون السبب في هذا التوتر الذي يعتري نفسية الطفل. ومن صور التعامل الحاد مع الطفل: تعريضه للعقوبة القاسية، كالضرب، أو التحقير. فيسلك الطفل سلوكا عدوانيا عنيفا نحو الآخرين، إذا تم التعامل معه بهذه الطريقة الحادة. أو ينكفئ على نفسه، وينطوي عليها، فتهتز ثقته بنفسه، وتظهر
عليه أعراض الخجل المرضي. كما إن مشاعر الغيرة التي قد تعتري الطفل، ولا يحسن الوالدان التعامل معها، قد تكون أيضا سببا قويا لهذا الانطواء.
وكذلك كثرة الأوامر والنواهي للطفل الصغير، خاصة تلك التي تتسم بالتعنت، قد تكون سببا أساسيا في هذا التوتر الذي يصيب الطفل.
أما الإشارات الخطرة التي تجعلنا ننتبه إلى أن الطفل يعاني من مشكلة الانطواء فكثيرة. نذكر منها:
ـ التأتأة والتلعثم.
ـ قضم الأظافر، والحركات المتعمدة، كرمش العين، وفرك اليدين، وهز الساقين.
ـ عدم الرغبة في مشاركة الأطفال الآخرين اللعب، وربما الخوف من الاقتراب منهم.
ـ الخجل الشديد عند حضوره مواقف اجتماعية، خاصة الجديدة منها.
نماذج من الواقع:
طفلة حساسة، لم تبلغ السادسة، كان أبوها يتشاجر كثيرا مع أمها، أمام ناظريها. وعندما تبكي الطفلة يصرخ في وجهها طالبا أن تسكت، ولا يسمع لها صوتا.
أصيبت هذه الطفلة بمرض الانطوائية. وأصبح دخولها في مجتمع المدرسة أمرا في غاية الصعوبة. فقد وجدت صعوبة كبيرة في التأقلم مع الأطفال، ومع المعلمة كذلك.
حتى أنها كانت تتبول وهي جالسة؛ لأنها تخجل أن تتحدث إلى المعلمة، وتخاف أن يرفض طلبها، أو أن تنهرها المعلمة.
ولولا أن المعلمة تنبهت لما تعانيه الطفلة لكانت حلقة جديدة في العنف الموجه ضدها، الذي كاد أن يحطم نفسيتها البريئة.
وعن مشاعر الأطفال الانطوائيين، وأحاسيسهم الداخلية، يحكي أستاذ جامعي متخصص في علم النفس عن طفولته فيقول: إنه كان طفلا هادئا وحساسا. وكان عندما
يرى والديه ينتهران أحد إخوته ينكمش هو في نفسه، ويجلس ساكنا، فكان هذا السلوك موضع مدح لوالديه، وفخرهم لهما. فكانا يقولان: "ليس لدينا إلا ولدنا فلان. كل الأطفال يلعبون ويصيحون وهو يجلس هادئا بجوارنا". فكان مدحهما له بذلك يدفعه لمزيد من هذا السلوك الانطوائي، ولكنه في قرارة نفسه يحسد الأطفال
الأخرين على لعبهم وشجاعتهم. وأحيانا تستغرقه الخيالات فيتصور نفسه جريئا منطلقا مثلهم.
فالحقيقة أن الوالدين لا يدركان فداحة الضرر النفسي الذي يلحق بالطفل المنطوي. ذلك الضرر الذي يترك علاماته الواضحة على الشخصية في المراحل اللاحقة. ولو
نظرنا للتربية الإسلامية، نجد أنها تشبع الحاجات الطبيعية للطفل. ولنتأمل هذا الحديث العظيم: عن عبد الله بن شداد، عن أبيه، قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل "حسنا" أو "حسينا"، فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوضعه، ثمّ كبّر للصلاة، فصلّى، فسجد بين
ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبى: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو ساجد. فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو إنه يوحى إليك، قال: "كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته" (رواه النسائي).
فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يسمي لعب الطفل حاجة، أي ضرورة ذات أهمية قصوى، لابد من منحها الوقت المناسب، بل وجعلها على رأس سلم الأولويات. فالنبي يُعلِّم الأمة كيف تنتج ابناء أصحاء نفسيا. أما أبناء القمع والقهر والاستهزاء والرفض فلن يبنوا مجدا، ولن يشيدوا حضارة.