الاختباء خلف الحقيقة
في بيتٍ لف الحزن والصمت جدرانه, كان يسكن زوجان غنيان ومن شدة الحزن بدأ الزوج يبوح عما في داخله لزوجته فقال: لا أدري عمن سأتحدث من أولادي الذين ربيتهم واحتضنتهم وبذلت ما بوسعي ليعيشون حياة كريمة, يا لهذا الزمان الذي ينسى به الأولاد أهلهم من أجل المال. أم جواد: وماذا يريدون أيريدوننا أن نموت كي يرثوننا. أبو جواد:هذا صحيح. وبعد دقائق من الحديث المر المليء بالآهات قال الأب والدمع في عينيه الذابلتين ماذا سأتحدث عن ابنتاي إخلاص وصفاء لقد سميتهما بأعذب الأسماء ليكونا أجمل بنتان فلم أجدهما إلا ابنتين محبتين للمال ويفعلان أي شيء من أجل اكتسابه, وأما جواد وغياث اللذين لا أراهما إلا إذا احتاج أحدهما إلى حفنة من المال. آه كم أود لو أنني فقير وأولادي إلى جانبي. الزوجة مؤيدةً للحديث: هذا صحيح ولكن يجب أن لا ننسى ابنتنا البارة ريم وعائلتها. وتتابع الأم في الحديث وتقول: ما رأيك أن نقيم غداء لكي نجتمع مع الأولاد لعل الله يرقق قلوبهم علينا وعلى تلك المسكينة ريم التي لم تملّ يوماً من التقرب إليهم. أبو جواد: حسناً مع أنني لا أرى جدوى من ذلك.وعند الغداء حدث ما لم تتوقعه الأم لم تكن الأجواء لطيفة بل كان كل ولد من الأولاد جالساً وحده يفكر كيف يأخذ شيء من المال في هذه الجلسة كي لا يضيع مشواره سدى, وفجأة همس جواد لإخوته من أجل أن يتقابلوا بعد هذه الجلسة دون ريم, فوافق الجميع, وفي الموعد المنتظر قال جواد بجرأة ما في نفس إخوته أن يقولوه: أنا لم أعد أحتمل هذا الوضع إن أباكم يكنز المال ونحن بأمس الحاجة له. إخلاص: وقد بدا على وجهها الفرح والتأييد هذا ما كنت أتوقعه منك ولكن ما هو الحل؟ جواد: سأقوله بعد أن نستمع إلى رأي صفاء وغياث. أجمع الإخوة على هذا الرأي وبدؤوا يحيكون الخطة, وبعد جلسات طويلة من التخطيط والآراء اتفق الإخوة على أن يكلفوا مأجور بالقيام بحادثٍ مفتعل يقتلون به أباهم عندما يكون ذاهباً إلى إحدى شركاته وبذلك ينالون مرادهم من المال, وفي الصباح المنتظر استيقظ الأب كعادته وودع زوجته على أن يلتقي بها مساءً وكان يخبرها أنه يريد أن يجمع أولاده ليعطيهم شيئاً من المال حتى يراهم ويتفاءل بهم, ويشعر أن للحياة طعم, وبعد وقتٍ قصير أحست الأم أنها مضطربة خائفة, فجاءها اتصالٌ هاتفي أن زوجها راقد في المشفى قد أصابه حادث مفاجئ وهو في طريقه إلى عمله و أن وضعه حرج جداً و في المشفى كانت الأم وحيدة حزينة تدعو له بالشفاء العاجل وتتساءل عن السبب الذي أخّر أبناءها عن القدوم ليقفوا معها ومع أبيهم الذي ظل يفكر بهم لآخر لحظة , وبعد ساعات طوال قدِمَ الأولاد وأقنعة الحزن على وجوههم. جواد مخاطباً صفاء ألم يمت بعد! أنا لم أتوقع أبداً أن أباكي سينجو من هذا الحادث . صفاء بتوتر:ما هذا الحظ السيئ وتتابع صفاء في حديثها وتقول: يجب علينا أن نتظاهر بالحزن و أن نجلس إلى جانب أُمِنا حتى لا تشك بشيء. بدأت الأم تفكر مَن له مصلحة بأن يقوم بمثل هذا الفعل, فتذكرت أحاديثها مع زوجها وكيف كان لا يستبعد عن أولاده أي شيء. وبدأت الشرطة بالتحقيق ولكنها لم تتوصل إلى نتيجةٍ تذكر, أما الأم فشرعت بالحديث عن محاسن زوجها لأولادها حتى تلاحظ ردات فعلهم, فلاحظت على جواد بأن عيناه تود لوتنطقان , وهمّ جواد بالكلام ولكن لسانه لا يساعده على النطق بأية كلمة, أحست إخلاص بذلك فانفردت به وبدأت تحثّه على فكرته وتشجعه على المضي بخطتهم الشريرة, وبدأت تقول له بثقة لا تقلق عائق وسيزول المهم أن نبقى على اتفاقنا.وبعد ساعات خرج الطبيب يخبرهم أن الأب لم يستجب للعلاج وبأن وضعه سيئ للغاية, فبكت الأم وبدأت تدعو على مَن كان السبب في هذا الحادث الذي كان ضحيته هذا الرجل الذي تفانى من أجل أسرته, لقد كان لكلمات أم جواد أثر في نفس جواد فأحس بأنه قد غرق في بحرٍ من الظلام فكيف يجرؤ إبن على ارتكاب مثل هذه الحماقات وبأنه مهما فعل سيظل يحتقر نفسه إلى الأبد, وفكر جواد كيف سيصلح جزء من هذا الخطأ فتوصل إلى نتيجة واحدة, وهي أن يقوم بمصارحة إخوته عما يدور في ذهنه, وأن يستأذن أمه بأن يحل مكان أبيه في هذه الفترة العصيبة, وأن يأخذ أبيه إلى إحدى البلدان المتقدمة ليعالجه هناك حتى يكفّر عن جزء صغير مما ارتكبه من أجل المال ثم يسلّم نفسه للعدالة. جواد يتحدث مع نفسه الحزينة التي تتمزق من كثرة اللوم والحزن نعم هذا ما يجب فعله الآن وبالفعل قام جواد باجتماع مع إخوته وحدثهم بنيته, فكانت ردات فعلهم كنفسيتهم الشريرة الخالية من الحب والمشاعر غياث: الآن صَحيَ ضميرك أيها الابن البار أين كنت من قبل, وكيف تفجرت عندك هذه المشاعر الجيّاشة , اسمعني يا جواد باسمي وباسم أختيك إذا انسحبت من الخطة وخنتنا سترى شيء غير متوقع الحدوث, واعتبره تهديد إن أردت.جواد: أنا لا أُستفذ يا غياث افعل ما يحلو لك, وأنا أمام الحق. صفاء: الآن تذكرت الحق من أين تعرف هذه الكلمة لعلك سمعتها من ريم يوماً من الأيام وخزنّتها بمفرداتك المنسية. جواد: ريم! إنها أكثر شخص ظُلم بيننا, ونحن الآن نظلم أنفسنا, أنا قلت ما لدي ولكم القرار. إخلاص تقول بلطف: يا جواد نحن اتفقنا , ولا تنسى أنك أنت مَن قام بالتخطيط. جواد: لا لم أنسى ولن أسامح نفسي على هذه الفعلة والرجوع عن الخطأ فضيلة.وفي المشفى كانت الأم حزينة يائسة فرأت ابنها جواد أمامها يواسيها وهو حزين بائس فلمست ريم بحديث أخيها طيبةً لم تعهدها به. وبعد فترة أصبح جواد يدير أعمال أبيه وقام بأخذه إلى بلد متطور طبياً ليلقى العلاج اللازم له وبدأت علاقة جواد تتحسن مع أمه وأخته لدرجة جعلته يخبر ريم بحقيقة الموضوع وتفهمت القصة وكانت متأكدة أن أهلها سيسامحونه, وفي ذلك الوقت كان الإخوة الثلاثة يخططون للإيقاع بجواد فقرروا أن تذهب صديقة صفاء للعمل بإحدى شركات الأب وتقوم بجمع بعض المستندات التي قد تدينه , وبالفعل نجحت بداية خطتهم وتوظفت هدى صديقة صفاء مساعدة لجواد الذي كان يعتمد عليها في كثيرٍ من الأمور , وكانت هدى تسر بكل أسرارها لأختها مهى التي كانت لا توافقها على أعمالها وتحذرها وتقول لها: هدى نحن فقراء ولكننا نتزين بأخلاقنا الحميدة لا تدعي المال يغريكي يا أختي .هدى: دعينا يا مهى نعيش حياة رغيدة أنا وأنتِ وأحلام. مهى: لكن يجب أن لا نخيب ظن أهلنا الذين وثقوا بنا وسمحوا لنا بالعيش في المدينة وحدنا. واستمر النقاش ساعة دون جدوى , وبعد فترة جاءت هدى إلى مهى تخبرها بأنها قد ابتكرت خطة كاذبة للإيقاع بجواد . مهى: لا يا هدى أنا لم أتوقع بأنكِ ستصلين إلى هذا الحد من الجشع المفرط أين أخلاقك التي نشأت عليها لا وألف لا يا هدى لن تفعلي هذه الفعلة. هدى بانفعال وتهرب من الشعور بتأنيب الضمير: أنا لا اسمح لك يا مهى أن تقولي هذه الأقاويل عني, أنا ما ذنبي إذا كانت العائلة مفككة ويكره أفرادها بعضهم البعض. مهى والدمع في عينيها: وتقومين أنت بتفكيكها أكثر لا يا أختي أرجوك. وبقيت هدى مصممة على قرارها,ففكرت مهى بطريقة تنقذ بها أختها فلم تجد إلا أن تخبر جواد بما يتحضر له من مكائد حتى تقوم بإنقاذ أختها التي قد أعماها حب المال, وبالفعل قامت بطلب موعد منه وأخبرته بما تعلم,وقد ملأها الحزن والخجل, وبعد هذا الحديث الذي فاجأ جواد جعله يغير نظرته في هذه الحياة وشعر بأنه يحصد نتاج ما فعل , وفي الصباح جاءت هدى كعادتها إلى العمل وهي تفكر كيف ستنفذ مخططاتها أما جواد فكان ينتظر هدى لكي يخبرها بالموضوع الذي علم به . وبالفعل أخبرها أنه يعلم نواياها , فكانت ردت فعلها باردة فذهبت إلى منزلها وفجرت غضبها على أختها مهى, فقالت مهى بهدوء: أنا سأستوعبك يا هدى لأنني أختك وأخاف عليك من السجن. وبعد فترة عاد أبو جواد إلى منزله على مقعدٍ رمادي قد كسرته الحياة, وما لبث أن علم بكل ما جرى عندما سلّم جواد نفسه للعدالة وفي هذه اللحظات انتاب الأب شعورين متناقضين أيترك أفلاذ كبده في غيابات السجون أم يتنازل عن حقه امتثالاً لغريزة الأبوة فلم يجد نفسه إلا وهو أمام الضابط المسؤول يسقط حقه!وبعد فترة من الزمن خرج الأولاد ليعيشوا حياة سعيدة مفعمة بحنان الأم وعطف الأب ودفء الأسرة وقد تعلموا درساً بأن الحقيقة كالزجاج النقي لا يُختبأ خلفه وأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه توقيع الفنان أبو المجد