المجاهد يوسف بورحيل المسماري

قال تعالى: (مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مّن قَضَىَ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُواْ تَبْدِيلاً) (1)

في إطار الحديث عن سيرة أعلام حركة الجهاد الليبي العطرة الذين قدموا أنفسهم وبذلوا الغالي والرخيص فداءً لهذا الوطن ، واقتداءً بقوله تعالى : (وَذَكّرْ فَإِنّ الذّكْرَىَ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) ( 2) كان من واجبنا أن نذكر أنفسنا وأبناءنا بسيرة أجدادهم الأبطال وتضحياتهم في سبيل الوطن ، لذا فإننا نحاول من خلال هذا البحث الذي نتناول فيه سيرة المجاهد يوسف بورحيل (1873 – 1933م) عرض تلك الملاحم البطولية الخالدة والتي لا زلنا نعيش معها ونعشق كل مجد تحقق على هذه الأرض ، ونقدس كل نقطة دم طاهرة ارتوت بها جبالنا ، وودياننا ، وصحارينا ، وواحاتنا إننا نقف إجلالاً وتقديراً لهذا التاريخ الناصع الذي كتبه أولائك الرجال الأبطال الأشاوس .

المجاهد : يوسف بورحيل المسمارى (بوخديدة)
نائب وخليفة عمر المختار في قيادة حركة الجهاد
بالجبل الأخضر ( 1873 - 193 3م)

ينتمي المجاه ـ د يوس ـ ف بورحيل ح ـ سن المسمار ي الملقب (بوخديدة) ( ـ لوجود آثار جرح قديم في خده ـ إ لي عائلة ( خضر ه) من قبيـلة المسـامير القاطنـة بالقرب من منطقة تاكنس شرق مدينة المرج بالجبل الأخضر وأمه فاطمة من قبيلة القطعان .

ولد المجاهد يوسف بورحيل سنة 1873م بمنطقة مدور الزيتون شرق تاكنس بالجبل الأخضر ، وكان متوسط الطول ، يميل إلى النحافة ، أبيض البشرة أتسم بأناقة يهتم بها كثيراً وقد برزت من خلال مظهره الأنيق في لباسه ، وكان يتمتع بأخلاق عاليه ، وله شخصية مميزة بين أقرانه من المجاهدين ، تعلم بالمدرسة القرآنية ب منطقة الجغبوب ، وحفظ القرآن الكريم وأص ـ بح أ ح ـ د انب ـ غ تلاميذ ت ها ، وكانت له معرفة كبيرة بنصوص الفقه التي تعلمها بالمدرسة ، وعرف برجاحة العقل ، والحكمة في التصرف ، وعندما زار المجاهد عبدالسلام الكزة دور البراغيث للتحدث مع قادته ولم يجد الشيخ عمر المختار الذي قدم من أجله ووجد المجاهد يوسف بورحيل ، وهي المرة الأولى التي يتقابل فيها المجاهد عبدالسلام الكزة مع المجاهد يوسف بورحيل ، وعندما رجع الأول إلى رفاقه سألوه هل قابلت الشيخ عمر المختار ؟ فقال : " قابلت رجلاً مليان عقل وخصائل حميدة ، قابلت يوسف بورحيل " ، ووصفه بأنه : (عقل حركة الجهاد) ، وقد أصبح هذا الاسم معروف بين كافة القبائل والنجوع ، ولمع اسمه كثيراً بين الأدوار (5) (المعسكرات).(

وعندما غزت إيطاليا الأراضي الليبية سنة 1911م ، كان المجاهد يوسف بورحيل من بين الأوائل الذين لبوا نداء الجهاد الذي أعلنه المجاهـد السيد أحمد الشريف () ضد الإيطاليين الغزاة (في المنشور الذي أصدره ، وأمر بتعميمه على المشائخ ورؤساء القبائل في مختلف نواحي المنطقة الشرقية ، وحث فيه الجميع على الإسراع بالالتحاق بميادين القتال، مؤكداً فيه على التفاني في الدفاع عن الوطن ، وحذر أبناء الوطن من مغبة التهاون أو التقصير في أداء الواجب الوطني ، وتبرأ من كل من يتقاعص عن أداء واجبه ، أو يتعاون مع العدو )

كان المجاهد يوسف بورحيل من أقرب المجاهدين إلى الشيخ عمر المختار ، وأكثرهم التصاقاً به ، وقبل الغزو الإيطالي كان معلماً ينوب عن الشيخ عمر المختار في الإشراف على تعليم الصغار ، وتسهيل الأمور للمعلمين والطلبة بزاوية القصور ؛ لأن عمر المختار كان كثير الترحال , كما كان يشرف على أمن وسلامة الشيخ عمر المختار

يعد المجاهد يوسف بورحيل المسماري من كبار المجاهدين الذين عارضوا سياسة ال ت فاوض التي اتبعها محمد إدريس السنوسي مع الإيطاليين () في الفترة من ( 1916م – 192 2 م ) وقد تعرض بسبب ذلك إ لي المضايقات والإبعاد مثل م ا حدث لعوض العبيدى ومحمد بونجوى وعلى العبيدى الذين تم نفيهم إ لي الجغبوب لكي لا يعرقلوا مسيرة تلك المفاوضات آنذاك .

وقد شارك هذا المجاهد في العديد من معارك الجهاد في الجبل الأخضر خلال المرحلة الأولى من الجهاد ( 1911 - 1923م ) ، وقام بالعديد من المهمات السياسية والعسكرية لصالح حركة الجهاد . وفي سنة 1922م عينه الشيخ عمر المختار نائباً له و قائم م قام لدور ال براغيث ( الجبارن ة) والذي سمي بهذا الاسم لوجوده بمنطقة البراغيث ، وكان يساعده في قيادة هذا الدور آدم الذويل ، وعبد الرزاق العوامي ورتبة كل منهما قومندان . () ، وقد أصدر الشيخ عمر المختار هذه التعيينات في شكل قرار عام يشمل قادة المجاهدين من مختلف قبائل الجبل الأخضر الذين رفضوا الاستسلام لإيطاليا ، كما شمل تعيينات أخرى في منا ص ب إدارية ومالية ودينية وقضائية لتنظيم حركة الجهاد . (

وإ لي جانب منصبه كنائب ل لشيخ عمر المختار في قيادة حركة الجهاد على مستوى الجبل الأخضر ، أصبح عضوا ً في المجلس (العسكري الأعلى) الذي يتكون من رؤساء الأدوار بالمنطقة الشرقية ويشرف عليها ، وكان المجلس برئاسة الشيخ عمر المختار وعضوية كل من المجاهد يوسف بورحيل والمجاهد حسين الجويفي ، و المجاهد الفضيل بوعمر ، والمجاهد محمد الشركسي و المجاهد موسى غيضان والشيخ محمد مازن ، والمجاهد محمد العلواني ، والشيخ جربوع سويكر ، والمجاهد قطيط الحاسي ، و المجاهد رواق درمان و المجاهد عبد الحميد العبار و المجاهد عصمان الشامي و المجاهد حمد بوخيرالله البرعصي و المجاهد صالح أ بو مطير العوكلى و المجاهد عوض العبيدى (14) وكان المجاهد يوسف بورحيل يترأس هذا المجلس في حالة غياب الشيخ عمر المختار . ( ومهمة هذا المجلس استشارية وهو في حالة انعقاد دائم لمواجهة الطوارئ والإسهام في حل المشاكل التي قد تحدث بالدور .(

ومن مهام المجلس (العسكري الأعلى) أيضاً قيادة حركة الجهاد محلياً وعربياً ودولياً، وبعد هذا التنظيم الدقيق بدأت المقاومة تكبد العدو الإيطالي الخسائر تلو الأخرى ، حتى أصبح عاجزاً عن التحرك خاصة في فترة الليل ، وغدا التفوق العددي في الرجال والسلاح عند الإيطاليين وهماً باطلاً ؛ لأن القتال لم يكن ضد عدو منظم ، وكذلك لعدم الإمساك بزمام المبادرة ، ويرجع هذا إلى الطرق والأساليب التي اتبعها المجاهدون ، وهي أساليب حرب العصابات حيث كانت خططهم الحربية تعتمد على الكر والفر ، وهذه الطريقة أرهقت القوات الإيطالية وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات ، مما أجبرها على استجلاب كتائب أخرى لتعزيز مواقعها .

وقد كان المجاهد يوسف بورحيل من أبرز مستشاري الشيخ عمر المختار ، بالإضافة إلى مجموعة من المجاهدين الآخرين كان من بينهم المجاهد الجرئ الفضيل بوعمر، والمجاهد العفيف حسين الجويفي ، ونظيره المجاهد قطيط موسى ، والتائر من أجل الشرف السنوسي العريفي ، ورجل الحرب الكفء عبدالحق الطايع ، والمجاهد بماله وعياله سليمان إدريس ، والمجاهد الذي ترك حياة الرفاهية مفضلاً الشهادة في سبيل الله الشاب محمد عسل ، ورجل القبيلة التي قدمت للمجاهدين التموين والعون المجاهد صالح بومطير .(

ونظرا ً لأهمية منطقة جردس العبيد جغرافي اً لكونها مقر اً ل قيادة الشيخ عمر المختار الرئيسية وجه الإيطاليون إليها عدة حملات عسكرية ، وقد تمكن دور الجبارن ة بقيادة المجاهد يوسف بورحيل من صد جميع تلك الحملات وهزيمة الإيطاليين هزيمة منكرة في معارك الحيران في 19 إ بريل 1923م ، ومعركة جردس في أغسطس 1923م والرحيبة 28 مارس 1927م ، ومعركة يوم عيد الفطر 13 مارس 1929م . وبعد استشهاد المجاهد الفضيل بوعمر تولى يوسف بورحيل كتابة مراسلات الشيخ عمر المختار .(19) ، كما كلفه الشيخ عمر المختار بمهام كثيرة فكان : رجل الأمن وشيخ المنازعات . ولهذا لعب أدواراً كثيرة ، ولم يتأخر عن أية معركة كان فيها الشيخ عمر المختار ، وكان حريصاً على حياة قائده ولم يفاوض الشيخ عمر المختار الإيطاليين إلا وكان المجاهد يوسف بورحيل خارج الخيام لتغطية أمن قائده والعين الساهرة على حياته .(20)

تعيين المجاهد يوسف بورحيل قائداً لحركة الجهاد :

بعد سقوط الشيخ عمر المختار في الأسر اجتمع المجاهدون في 11 سبتمبر 1931م وقرروا تنصيب المجاهد يوسف بورحيل قائدا ً عاما ً لهم وخليفة ل لشيخ عمر المختار . وعن هذه المناسبة يذكر الجنرال (رودلفو غراتسياني Rodolfo Giartsyani ) لنا النص التالي حول تعيين المجاهد يوسف بورحيل قائدا ً للمجاهدين بعد أسر عمر المختار فيقول :

" إن المراسلات التي وقعت في أيدي الإيطاليين بعد مقتل المراسل الذي كان يحملها إلى المجاهدين في مصر كانت تعني تصميم العصاة (يعني الثوار) على الاستمرار في القتال مهما تكن الظروف حتى يتم النصر أو الفناء ، وقد جاءت الأنباء أنه بعد سقوط عمر المختار في الأسر تجمع العصاة أي(الثوار) بين يوم وليلة وأجمعوا على تنصيب السيد (يوسف بورحيل) قائداً لحركة ا لجهاد الإسلامي ووكيلاً للقيادة العليا للثوار " . (

وبعد إعدام الشيخ عمر المختار قام المجاهد يوسف بورحيل بتوجيه رسالة إلى السيد أحمد الشريف يعلمه فيها باستشهاد عمر المختار ، وطلب منه أن يعين قائداً لحركة الجهاد لكي يكمل ما بدأه الشيخ عمر المختار .

وقد قام السيد أحمد الشريف الذي كان يقيم في الحجاز بالرد على رسالة ال مجاهد يوسف بورحيل برسالتين الأولى وجهها إلى المجاهد عبد الحميد العبار وهذا نصها :

" بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

من عبد ربه سبحانه خادم الإسلام أحمد الشريف السنوسي إلى حضرة الفاضل المحترم ، والجليل المفخم ، المجاهد الصادق الحاذق ، واللبيب الحاذق ، قائم م قام دور العواقير ولدنا الشيخ عبد الحميد العبار وكافة أولادنا العواقير حفظهم الله ورعاهم وحرسهم وحماهم آمين آمين .

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ومغفرته ومرضاته وتحياته ورضوانه وعميم فضله وإحسانه ، وبعد ، فالمرجو من الله تعالى أن تكونوا جميعاً على أيسر الأحوال محفوظين بالله ومنصورين به وإننا لن نغفل عنكم وقت من الأوقات من الدعاء لكم عند بيت الله الحرام وفي حضرة مولانا رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وعلى الله القبول ، أنه أكرم مسؤول ، وخير مأمول هذا وقد بلغنا ما أزعجنا وكدرنا غاية الكدر ، وهو استشهاد حضرة النائب العام سيدي عمر المختار رحمه الله ورضي الله عنه وجعل جنة الفردوس مسكنه ومحله ، وجزاه الله عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء ، فإنه كان عاملاً صادقاً ناصحاً ، وأننا لم نتكدر على نيله الشهادة بل نحمد الله على ذلك ولا نقول أنه مات ، بل إنه حي لقول الله { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاّ تَشْعُرُونَ}وإنما كدرنا فقدانه من بينكم وغيابه عنكم ، ولكن هذا أمر الله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فلا يمكننا إلا تسليمنا لله ورجوعنا إليه ، ولا نقول إلا ما يقول الصابرون ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، نعم استشهد سيدي عمر المختار ولكنه أبقى العمل الطيب والذكر الحسن إلى يوم القيامة فهذا ليس بميت ولن يموت أبداً ، ما دامت الدنيا أنه شهيد ، والشهيد ليس بميت لقوله تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ} فالله يا أولادي في التمسك وإياكم واليأس وإياكم والقنوط ، وإياكم وأقاويل الناس الفاسدة فجدوا واجتهدوا كما كنتم ، واجعلوا أعمالكم لله لأنه لنا ولا لغيرنا لأن من قاتل لله ، فالله حي باقي ، ومن قاتل لغير الله فعمله لا يفيده شيئاً ، واعلموا أن الله معكم ، ولن يتركم أعمالكم ، فاصبروا وصابروا واعلموا أن العاقبة للمتقين ، وأن الله مخزي الكافرين ، وما ترونه من الأهوال ، فإنه والله ثم والله زائل عن قريب وست ر ون ما يسركم دنيا وأخرى ، ففي الدنيا سترون بحول الله العز والنصر والفتح الذي لا يخطر لكم على بال ، وفي الآخرة رضاء الله ورسوله والنعيم المقيم ، فأنتم في الخير أحياء وأمواتاً ، وها نحن نوبنا عنا عليكم حضرة أخيكم المجاهد الغيور الصادق ، ولدنا الشيخ يوسف بو رحيل فإنكم ستلقونه بحول الله وقوته ، مثل السيد عمر وأكثر ، ونحن ما قدمناه إلا بتقديم سيدي عمر له في حياته ، وامتثلوا أمره وأسمعوا كلامه ، وكونوا له عونًا معينًا ، ومن خالفه منكم فلا يلومن إلا نفسه ، ومن تبعه وأمتثل أمره ، فهو الذي منا وعلينا ، وولدنا الشيخ يوسف المذكور هو النائب عنا عموماً فلا تروه إلا بالعين التي تروننا بها ، وبذلك يتم بالله أمركم وتجتمع كلمتكم وتقهرون عدوكم ، وإياكم ثم إياكم والمخالفة والنزاع قال تعالى : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ} وأعلموا يا أولادي أن العدو خيبه الله ساعي بكل جهده في القضاء عليكم في هذه المدة القريبة لا بلغه الله مناه لأنه بعد مدة قليلة يقوم معه حرب عظيم يشغله عنكم وهو مع الفرنسيس ، والدول الأخرى ، فعند ذلك لا يقدر على دوام القتال معكم ، والحرب قريب النشوب فجدوا في عملكم، وأصبروا و أبشروا بالنصر والفتح ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون قال تعالى : { حَتّىَ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجّيَ مَن نّشَآءُ وَلاَ يُرَدّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} ، ولا نشك يا أولادي أن الله منجز وعده لأن الله لا يخلف الميعاد وإني والله ثم والله ما يمنعني من الوصول إليكم إلا عدم الطريق ، ولكن بحول الله ما زلت مجتهداً بكل جهدي في وصولي إليكم وعن قريب يتم ذلك بحول الله وقوته ، هذا وسلموا منا على عموم أولادنا المجاهدين والبارئ يحفظكم وينصركم ويجمعنا بكم عن قريب بجاه النبي الحبيب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام 16 جماد الثانية 1350هـ ... 29 أكتوبر 1931م" . (

أما الرسالة الثانية فكانت موجهه للمجاهد يوسف بورحيل شخصياً وتتضمن قرار تعيين ه قائداً لحركة الجهاد خلفاً للشيخ عمر المختار وهذا نصها :

" بسم الله الرحمن الرحيم

إنه من عبد ربه خادم الإسلام أحمد الشريف السنوسي ...

إلى حضرة المجاهد الغيور والبطل ذي الآراء السديدة والمواقف الحميدة الشيخ يوسف بو رحيل حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد نرجو من الله أن تكون أنت وكافة من معكم من ا لإ خوان والمجاهدين بخير ونصر ، وقد بلغنا ما أعجزنا وكدرنا وذلك هو استشهاد رئيس المجاهدين الشيخ عمر المختار رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه جنته دار القرار وعظم الله لنا ولكم ولجميع المسلمين فيه الأجر وجعل البركة فيكم وفي من خلف وفي جميع رفقائه وإخوانه المجاهدين آمين ....

هذا وأننا بناء على ما نعرفه من الصبر والمثابرة على أمور الجهاد والمعرفة بأسلوبه وكمال الشهامة والغيرة على دين الله وما نعرفه فيكم من الدين والاستقامة ومكارم الأخلاق ، فقد أقمناكم نائبا ً عنا في إدارة أمور المجاهدين في الجبل الأخضر وبرقة بدلاً من الشهيد الشيخ عمر المختار رفيقكم في الجهاد ، وإننا نوكلكم ونوصيكم بتقوى الله في السِّر والعلن وعلى الصبر والجد والاجتهاد والإخلاص في العمل لله ولرسوله وللمسلمين . ونسأل الله لكم الإعانة والرعاية والتوفيق آمين ، حرر في المدينة المنورة ، خادم الإسلام ، أحمد الشريف السنوسي" . (

وقد قام المجاهد يوسف بورحيل بعدة إجراءات في محاولة منه للحفاظ علي حركة ال جهاد ضد الإيطاليين واستمرارها فكلف المجاهد عبد الحميد العبار بالإستطلاع في المنطقة الشرقية من أجل حث الأهالي على الالتحاق بقوات المجاهدين وحمل السلاح لمقاومة القوات الإيطالية والجهاد في سبيل الله والوطن .( وفي الوقت نفسه وجه عدة مراسلات إ ل ى بعض المهاجرين الليبيين بمصر وبعض العناصر الوطنية المصرية يطلب منهم المساعدة المالية والعسكرية .

وعندما اتضح للمجاهد يوسف بورحيل عدم القدرة على الاستمرار في الجهاد بسبب العديد من العوامل والتي كان أخطرها تجميع الأهالي في معتقلات( جماعية أقامها الإيطاليون في البريقة والعقيلة والمقرون وبنينة ، والأسلاك الشائكة التي أقامها (رودلفو غرسياني) على امتداد الحدود المصرية بطول (300) كليو متر من البحر إلى الصحراء لمنع وصول أية مساعدة أو أخبار إلى قوات المجاهدين التي فعلاً ضيقت الخناق على المجاهدين وكانت ضربة قاسمة لحركة الجهاد ، فعندما عجزت إيطاليا عن أنهاء حركة المقاومة المسلحة بالطرق التقليدية لجأت إلى أسلوب القتل الجماعي لليبيين : مقاتلين ومدنيين ، فقد أمر الحاكم الإيطالي المارشال ( بادوليو Badeliu ) () الذي تولى منصب حاكم ليبيا في الفترة فيما بين (1929 – 1935م) بإقامة معسكرات اعتقال في أماكن صحراوية قاحلة وذلك بهدف تحقيق عزل مادي واضح بين قوات المجاهدين والقاعدة الشعبية العريضة التي يستند عليها في التمويل والنقل والمتطوعين.(

وقد جاء في رسالة الحاكم الإيطالي المارشال (بادليو) إلى نائبه الجنرال (غراتسياني) المكلف بسحق حركة الجهاد بعنف وبدون هوادة ما يلي : " فلابد إذن من عزل تشكيلات العصاة ( يقصد المجاهدين) عن الأهالي المستسلمين وذلك بإيجاد منطقة شاسعة بما فيه الكفاية ومحددة تفصل بعضهم عن بعض ، وأنا لا أخفي فداحة مثل هذا الأجراء وأهواله أو أبعاده ، إذ ربما أسفر عن هلاك من ينعتون بالأهالي المستسلمين . ولكن الطريق قد تحدد لنا مسارها وعلينا إتباعها إلى النهاية ، حتى لو أدى إلى فناء أهالي برقة عن بكرة أبيهم ، فالمسألة الملحة الآن إذن تكمن في اقتياد جميع الأهالي المستسلمين إلى أماكن فضاء شاسعة وحشرهم بداخلها ، بحيث تسهل حراستهم ويكون بينهم وبين العصاة منطقة عازلة ، وبعد تنفيذ هذا الأجراء يصير التحول إلى العمل العسكري المباشر وغيره "

وهكذا فقد ثم طرد ما يزيد على مئة ألف مواطن من سكان الجبل الأخضر ومنطقة البطنان من مواطنهم الأصلية ، وحشرهم في معسكرات اعتقال مع حيواناتهم في المنطقة الصحراوية القاحلة الممتدة من العقيلة إلى الأبيار في صيف عام 1930م .(

كما أدت هذه الإجراءات في النهاية إلى أسر الشيخ عمر المختار وإعدامه ،وازدادت قوة وقسوة على المجاهد يوسف بورحيل ورفاقه بعد تسلمه قيادة حركة الجهاد فلم يكن أمامهم إلا الهجرة أو الاستسلام .(

وقد رأى المجاهد يوسف بورحيل رجاله بلا سلاح ولا ذخيرة وأحياناً أخرى بلا طعام ومنهم من أصبح غير قادر على حمل السلاح من الإرهاق وسوء الوضع الصحي الذي أصاب بعضهم ، أدرك عندها في ظل هذه الظروف ، بأن نهاية حركة الجهاد قد دنت وأصبحت واضحة وأن شرف الخروج من هذه المحنة أصبح مصيراً حتمياً لكن الخروج بدون تنازلات ولا خنوع ولا استسلام ولو كان الثمن الموت ومن ثم خيار الشهادة . ومن أجل ذلك دعا المجاهد يوسف بورحيل إ لي عقد اجتماع عام لقادة المجاهدين في 9 ديسمبر 1931م حضره حوالي ستين (60) مجاهداً وخطب فيهم قائلاً : " لقد هاجر أحباب من قبل وهم موزعون على السودان ومصر والعراق وقد قمنا بما يحتمه الواجب المقدس وواجب الوطن العزيز ولم يبق اليوم جهد للنضال وإيطاليا تطالبنا بالاستسلام وإلقاء سلاحنا معناه العار والذل ".(

كما قرر في نفس الاجتماع إنهاء العمليات العسكرية ضد القوات الإيطالية ؛ لأن الحالة أصبحت غير مطاقة بسبب قلة الإمدادات وأمر المجاهد يوسف بورحيل بحل جميع الأدوار وتسريح المجاهدين وترك لهم حرية الاختيار بين أمرين إما اجتياز الأسلاك الشائكة والهجرة إلى مصر أو الاستسلام للاستفادة من العفو المعلن واللاحق بأهلهم ، فاستسلم للإيطاليين جانب من المجاهدين يبلغ عددهم (298) مائتان وثمانية وتسعون مجاهداً . (

أما من أراد الهجرة إلى مصر فعليه أن يلتحق بأحد القادة الثلاثة : المجاهد يوسف بورحيل ، وعبدالحميد العبار ، والمجاهد عصمان الشامي) ، وستكون الهجرة في مجموعات صغيرة لكي يمكنها عبور الأسلاك الشائكة بالقوة بأقل خسائر في الأرواح ، وتعتبر المجموعة التي قادها المجاهد عبد الحميد العبار والمجاهد آدم إبراهيم المنصورى وعبر ا بها الأسلاك الشائكة ليلة 13 أغسطس 1931م أ كبر مجموعة حيث بلغ عددها 74 مجاهدا ً ( ، وقد اتفق الجميع على إعطاء القيادة العليا في تلك الليلة لأدم إبراهيم المنصوري الذي كان يحمل رتبة قائم م قام ويتمتع بعقلية عسكرية وشجاعة نادرة ويقول : آدم إبراهيم إنه قسم مجموعته إ لي أربع وحدات مقاتله معظمها من الشبان القادرين علي حمل السلاح والجري وهى على شكل مقدمة وميمنة وميسرة ومؤخرة ، يتبع المقدمة حملة الأمقاص وفي الوسط كبار السن والجرحى والمرضى من المجاهدين وقد قامت المقدمة بهجوم خاطف على الحراس الإيطاليين وتمت إ بادتهم بسرعة وتمكن المجاهد و ن من العبور دون أن يجرح أ حد ٌ منهم برصاص الإيطاليين وكانت جر و ح بعضهم بسبب الأسلاك الشائكة .

وقد قال المجاهد يوسف بورحيل لأصحابه وهم يقتحمون الحدود إلى مصر " أما أنتم يا إخوتي وأبنائي فشباب ولكم في مصر أسر ولكم في العمر براح ، أما أنا فقد جاوزت الخامسة والستين ولا أرى أن هناك مدفناً يليق بي خارج هذا الوطن وفي غير هذا الميدان".(

وقد اصطدمت مجموعة المجاهد يوسف بورحيل خلال عملية اقتحامها للحدود الليبية المصرية بقوة إيطالية كبيرة بقيادة الملازم ( برنديسي Brnadeci ) على الحدود أجبرتها على التوق ف والتراجع إ لي الوراء ليلتى 13 – 14 أغسطس 1931م ، والتجأ قائد المجاهدين المجاهد يوسف بورحيل ورفاقه إ لي كهف في منطقة ( أم ركبة ) ـ موقع بالقرب من الحدود المصرية ـ مع أربعة من رفاقه وكانت هناك غزارة نيران كثيفة لكن لم يستطيعوا القضاء على المجموعة مما دعاهم إلى إضرام النيران أمام الكهف حيث أخذ الدخان يتصاعد داخل الكهف مما جعلهم يختنقون بفعل الدخان فخرجوا بأسلحتهم يطلقون النار على الطليان وأظهروا شجاعة فائقة ، وقد جرح المجاهد عصمان الشامى الذي اضطر إ لي الاستسلام وكانت حالته الصحية غاية في السوء ، أما المجاهد يوسف بورحيل فقد رفض الاستسلام وأخذ يقاتل إ لي آخر رمق من حياته حتى لاقى ربه راضياً مرضياً وذلك في 20 أغسطس 1931م ، فوصفهم الضابط الإيطالي ( برنديسي) الذي وجد مأسورات بنادقهم لازالت ساخنة بقوله : " أن هؤلاء الرجال قاتلو قتال الأبطال " . (

وعن تطور هذه الأحداث أصدر الإيطاليون بيانا ً عاما ً نشر في الصحف الإيطالية والعربية الصادرة في ليبيا ، وقد جاء في البلاغ الإيطالي ما يلي : " ... وقد أظهر يوسف بورحيل و ر فقاؤه الثلاثة بسالة مدهشة حتى آخر دقيقة من حياتهم ، وهكذا انتهت حياة الرئيس العظيم البرقاوى أحد تلامذة مدرسة الجغبوب القرآنية ومستشار عمر المختار ... "

وتعبيرا ً من الإيطاليين عن روحهم الفاشستيه الحاقدة على المجاهدين وإمعانا في إرهاب الشعب الليبي فقد أمرت القياد الإيطالية بقطع رأس هذا المجاهد يوسف بورحيل ووضعته في علبة صفيح ونقلتها على وجه السرعة إ لي منطقة البردي للتعرف عليه ثم نقل إلى معتقل بنينه في بنغازي لعرضه على مشائخ القبائل فكان مشهداً إجرامياً اعتادت عليه إيطاليا الفاشية مع قادة حركة الجهاد فسبق لها أن قطعت رأس المجاهد الفضيل بوعمر بنفس البشاعة والإجرام (، كم قامت ب عرض رأس المجاهد يوسف بورحيل أمام محمد الرضا المهدي السنوسي وبعض المسؤولين الإيطاليين للتأكد من صحة وفا ته ، ولهذا الغرض وقع محمد الرضا السنوسي ، واثنان من المسؤولين على المحضر التالي :

" 22 ديسمبر 1931م

في تاريخه حضرنا الكوالير (ا فشيالى توليو بيتروش ) ومحمد رضا المهدى السنوسي في السنترال الإيطالي الاستعماري ب مدينة بن غازى ، أمام حضرة المتصرف لواء بنغازى الكوالير ( افيشيالى دانيرو إجيدى ) ، الذي أرانا رأس ميت وتحقق لدينا أنها رأس يوسف بورحيل المسماري ، ولأجل صحة ذلك أعطينا هذه الشهادة.

محمد رضا المهدي السنوسي" . (

وبوفاة المجاهد يوسف بورحيل المسماري أصدر (بادليو) الحاكم الإيطالي بياناً في 24 يناير 1932م أعلن فيه انتهاء العمليات العسكرية في المنطقة الشرقية وقضائها على حركة الجهاد في ليبيا بشكل كامل ، وجاء البيان كالتالي : " أن العصيان في برقة قد قضي عليه نهائياً ... ولأول مرة بعد عشرين سنة من النزول على هذه الأراضي تم احتلال المستعمرتين بكاملهما وأعيد إليهما السلام ... "

وفي الختام نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الشهداء الأبطال برحمته ويدخلهم فسيح جناته .

{ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران:169]،

جزلك الله خيرا

» المجاهد رمضان السويحلي
» المجاهد احمد الشريف
» المجاهد الفضيل بوعمر
» المجاهد حمد بن شعيب المغربي
» المجاهد محمد سعدون السويحلي