إضاءات جديدة في خطاب الرئيس الأسد

خطاب الرئيس الأسد بجامعة دمشق أمام حشد شبابي مميز تضمن إجابات وإسقاطات على نقاط كثيرة استشرافية وردت في خطابيه السابقين وجاءت اليوم أحداث لتؤكد صحتها بعد أكثر من شهرين، الإضاءة الجديدة المهمة هي شعور الرئيس بالقلق المسؤول «على جيل من الأطفال تربى بهذه الأحداث أو تعلم الفوضى وعدم احترام المؤسسات، عدم احترام القانون، كره الدولة».
فالرئيس من موقع مسؤوليته عن صنع أجيال واعية تتربى على احترام القانون والمؤسسات، هاله الثمن الغالي الذي سيدفعه الوطن في المستقبل، «فهذا الشيء لا نشعر بنتائجه اليوم سنشعر بنتائجه لاحقاً»، فنبه إلى أن من توسلوا التخريب بالتظاهر وتدمير المؤسسات، موضحاً أن ما قاموا به لم يحقق سوى «التخريب النفسي والسلوكي والأخلاقي الذي يصعب اصلاحه»، وعمل البعض على تكريسه ومعه يتكرس عدم احترام المؤسسات وما ترمز إليه من الناحية الوطنية، ما يؤدي إلى تراجع الحالة الوطنية التي تشكل وتؤسس وتحمي الوطن «وهذا بالضبط ما يريد اعداؤنا أن نقوم به وأن نصل إليه».

وهو بالفعل ما حصل، وهو بالفعل ما يصعب إصلاحه مقابل السهولة بإصلاح التخريب المادي، لأن ما يحصل هو تخريب يؤخرنا ويبعدنا عن أهدافنا في التطوير كما قال، والتخريب الذي حصل وكما رآه الرئيس الأسد نوعان: مادي يمكن اصلاحه بسهولة أكثر ونفسي يصعب إصلاحه مع الوقت، وهنا يجب علينا تلمس النتائج الخطرة التي وضعها الرئيس بوضوح أمام المواطنين حين قال: « وأريد أن أسأل هنا هل أوجدت الفوضى مزيداً من فرص العمل للباحثين عنها، هل حسنت الأوضاع العامة، هل حسنت الأمن الذي كنا ننعم بوجوده ونفاخر به؟ فلا تطوير من دون استقرار ولا إصلاح عبر التخريب ولا عبر الفوضى، والقوانين والقرارات وحدها لن تكون كافية لأي تقدم بمعزل عن البيئة السليمة التي يجب أن تحيط بها».
هذه الحالة النفسية المقلقة وما ستؤول إلينا نتائجها الخطرة أعطاها الخطاب أهمية خاصة، من أجل أن يعمل الجميع على معالجتها والاهتمام بالحد من آثارها بكل ما في وسعهم «إذ علينا أن نصلح ما تخرب ونصلح المخربين أو نعزلهم وعندها نستطيع الاستمرار بالتطوير» فالاهتمام لا يقتصر على المضلل بهم وإنما يشمل المخربين أنفسهم حيث يجب بذل المحاولة لإصلاحهم أو عزلهم، والممارسة والبدء بالإصلاح يجب أن يبدأ من الناس، وعلى ذلك أعطى الرئيس القدوة في مباشرة هذا الإصلاح حين بدأ سلسلة طويلة من اللقاءات بهدف فهم ورؤية الواقع حتى من خلال التفاصيل المباشرة بعيداً عن أي أقنية قد تقوم بعملية تصفية أو فلترة التفاصيل، لذلك فإن عرض الرئيس أمام الجميع بخطابه لما قام به في مقابلاته مع المواطنين من مختلف الشرائح والفئات، أمام الملايين من شعبه في خطاب متلفز، لم يكن الغرض منه مجرد استعراض لما قام به، بقدر ما كان دعوة جدية صريحة للمسؤولين في الدولة أن يستمعوا لشكاوى المواطنين بعيداً عن البيروقراطية.
من هنا كان التركيز، في جميع خطابات الرئيس على التفريق بين ثلاثة «مكونات» تشكل الجسم المادي لما يحصل في الشارع: المكون الأول: صاحب حاجة أو مطلب يريد من الدولة تلبيتها له وقد سبق أن تحدث عنها على أنها المطالب المحقة «ومن واجبات الدولة تجاه مواطنيها عليها العمل من دون كلل لتحقيقها» إضافة إلى محاورة أصحابها.
أما المكون الثاني: فهم الخارجون على القانون، وهؤلاء وعلى الرغم من السعي لتطبيق القانون عليهم فإنه لا يعفينا من البحث عن حلول ذات أبعاد اجتماعية من شأنها أن تبعد هؤلاء عن سلوك الطريق الخاطئ وتدفعهم ليكونوا مواطنين صالحين مندمجين بمجتمعهم، ومعروف أن هؤلاء الخارجين على القانون هم من كانوا على رأس التدمير والتخريب، ومع ذلك فإن مسؤولية الأب مسؤولية القائد هي المحرك والموجه لمعالجة وضع هذا المكون الخطر، فلم يدع الرئيس إلى اجتثاثهم وإنما دعا الجميع إلى العمل على إبعاد هؤلاء عن الطريق الخاطئ مع الإشارة إلى حجم هذا المكون الذي قد يعادل مجموع خمس فرق عسكرية، لأن الأهمية عنده في تحديد مفهوم التخريب وفي العمل البناء ليست للعدد وإنما هي للنوعية، كما سنرى عند تحديده للمكون الثالث الصغير بحجمه الكبير الخطر بفعاليته وتأثيره.
«المكون الثالث: هو الأكثر خطورة على الرغم من صغر حجمه وهو يمثل أصحاب «الفكر المتطرف التكفيري» هذا المكون لم يتغير فيه شيء مما عرفناه سابقاً عن خطورته وخطره على المجتمع والوحدة الوطنية، فمنذ عقود لا يزال أشد بشاعة وفظاعة مع فرق بسيط اليوم هو «تغير الأدوات والأساليب والوجوه، فهو يقبع في الزوايا المعتمة ولا يلبث أن يظهر كلما سنحت الفرصة له ووجد قناعاً يلبسه، فهو يقتل باسم الدين ويخرب تحت عنوان الإصلاح وينشر الفوضى باسم الحرية» ومعروف أن هذا المكون المتمثل بهذا الفكر سبق لسورية أن خبرته وعرفته عندما حاول التسلل إلى سورية وإحداث الفتن فيها. «ولكنها استطاعت التخلص منه بوعي شعبها وحكمته» وهو ما يوجب على الجميع أفراداً وأحزاباً وجمعيات ومسؤولين العمل على تطويق هذا الفكر، بنشر الفكر القومي وتكريس الشعور الوطني وتنمية الواجب الاجتماعي وتعزيز ثقة المواطن بأرضه وتعميق وعيه.
المكونات الأخرى أشار إليها الرئيس إشارة عابرة ومنها المكون الخارجي واعتقد أن الرئيس أراد صرف الوقت على المكونات الداخلية بسبب التضليل الذي أوقعها بها المكون الخارجي. فالمكون الخارجي يعرف حقيقة الوضع في سورية تمام المعرفة لأنه هو الذي اخترع الأكاذيب وهو الذي يصنع التزوير فلا حاجة لصرف الوقت بمعالجة وضعه لأنه مكون أدرك مدى إفلاسه منذ الأيام الأولى لاستغلاله الأوضاع الداخلية وحاجات الناس ونشر أكاذيبه واستخدام أدواته وفشل فشلاً ذريعاً لأن وعي الشعب كان الحصن الذي تكسرت عنده كل المخططات، ولذلك شكل الوعي الوطني والقومي والاجتماعي الأهمية الأساسية والوحيدة للأمل بالتغلب على كل المخططات التدميرية لأن الوعي نبع يتدفق في كل المجالات لمواجهة الهجمات الاقتصادية والتدميرية والتخريبية والاجتماعية ويحفظ الوطن ويتغذى من روح الشهداء ومن تضحيات المواطنين.

وتستمر الامور فى شد وجذب

الى ان يسلم احد الفرقين

شكرا للمرور علاء