رسمت
مجلة نيوزويك الأمريكية صورة مقبضة لمن وصفتهم بـالهاربين من الربيع
العربي, مشيرة إلي أن مياه البحر المتوسط التي تشكل الحدود البحرية
الفاصلة بين أوروبا وشمال أفريقيا تحولت إلي مقبرة جماعية
للآلاف من اللاجئين الذين تركوا ديارهم وركبوا زوارق الموت . علي حد وصف
المجلة حتي يفروا بأحلامهم البسيطة من واقع كئيب في أوطانهم, بحثا عن
الفردوس الذي قال الناجون من زوارق الموت إنه مفقود في بلادهم فعلي النقيض
من الصورة التي رسمتها مجلة تايم الأمريكية الأسبوع الماضي عن كون ربيع
الثورات العربية لا يشكل فرصة للدول العربية الثائرة فقط, وإنما يشكل فرصة
لأوروبا أيضا في أن تجدد شبابها اعتمادا علي سواعد الشباب العربي الذي قرر
اللجوء للقارة العجوز, رأت الكاتبة باربي لاتزا نادو في تقرير نشرته مجلة
نيوزويك أن أوروبا عاجزة عن استيعاب فيض اللاجئين إليها, مسلطة الضوء علي
أن الأوضاع الكابوسية التي يعيشها الهاربون العالقون في مياه البحر بين
أوطانهم وأوروبا, وخطر إغراق أوروبا بمن لا تحتاجهم تحول إلي سلاح في يد
الأنظمة القمعية تواجه به الضغوط الدولية عليها.
واستهلت الكاتبة تقريرها الموسع برصد مجموعة من الأرقام المفزعة عن معدلات
اللجوء إلي أوروبا, قائلة إن المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة
للأمم المتحدة قدرت عدد الذين فقدوا حياتهم خلال الشهرين الماضيين علي
أبواب أوروبا البحرية بنحو1600 قتيل, بينهم الكثير من الأطفال والنساء
الحوامل.
وأوضحت نادو أنه خلال الأشهر الخمسة الأولي من العام الجاري, وصل أكثر
من45 ألف لاجئ إلي جزيرة لامبيدوزا الإيطالية, مشيرة إلي أن هذا العدد
يمثل10 أضعاف مجموع من وصلوا إلي الجزيرة العام الماضي. وأضافت أن الأمر لم
يتوقف عند لامبيدوزا وحدها, حيث وصل خلال الفترة نفسها آلاف آخرين هاجروا
إلي جزر بلجن القريبة, فضلا عن صقلية وسردينيا, مشيرة إلي أن عدد هؤلاء
اللاجئين يقدر بالآلاف, ولكن لم يتم إحصاؤهم بشكل دقيق بسبب ظروف هجرتهم من
ديارهم. وأشارت نيوزويك إلي أنه مع استمرار الحرب في ليبيا وعدم استقرار
الأوضاع الاقتصادية في تونس ومصر بسبب الأضرار الفادحة التي تعرض لها قطاع
السياحة في البلدين, فإنه من المتوقع أن يتضاعف عدد المهاجرين غير الشرعيين
ليتجاوز مئات الآلاف خلال الأشهر المقبلة.
ويبدو أن البحر لن يكون قبرا لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وحده, بل
بات أيضا مقبرة جماعية للآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين قضوا نحبهم
علي شواطئ أوروبا حيث نقلت نيوزويك عن القس ستيفانو ناستازي قوله: لقد قمت
بتصوير الكثير من الجثث, جميعها كانت ملقاة علي شاطئ لامبيدوزا بدون أي
أوراق هوية, فقط بعض المتعلقات الشخصية, كالثياب وبعض لعب الأطفال.
وأوضحت نيوزويك أن الهجرة عن طريق لامبيدوزا ليست ظاهرة جديدة, لكن عدد
المهاجرين الذين شقوا طريقهم الي أوروبا عبر الجزيرة هذا العام هو الأمر
غير المألوف. وأضافت أن الثورة التونسية قادت الموجة الأولي من المهاجرين
في ديسمبر الماضي, ثم بدأت الموجة الثانية في أواخر فبراير, عندما فر
المصريون والكثير من العمال المهاجرين الذين كانوا يعملون في مصر من
الاضطرابات التي صاحبت الثورة المصرية. ثم جاءت الموجة الثالثة من
المهاجرين في مارس الماضي مع بدء عمليات حلف شمال الأطلنطي الناتو في
ليبيا, حيث فر عشرات الآلاف من الليبيين والعمال المهاجرين في البلاد عبر
الحدود إلي تونس أو عبر البحر إلي لامبيدوزا.
وأضافت المجلة الأمريكية أنه علي الرغم من المخاطر التي تحملها أمواج
البحر إلي اللاجئين, فإن تدفقهم علي أوروبا ظل يزداد, وهو أمر رأت نيوزويك
أنه منطقي, فليبيا تعد بوابة العبور الرئيسية للمهاجرين الذين يحاولون
الانتقال إلي أوروبا, وحتي وقت قريب, كان قادة أوروبا يؤيدون العقيد معمر
القذافي من خلال عقد الصفقات الاقتصادية معه لأنه, كما ذكر مرارا وتكرارا
يسيطر علي صنبور تدفق الهجرة علي القارة العجوز. وهكذا كما قالت الكاتبة
الأمريكية تمكن نظام القذافي القمعي من التلويح بسلاح الهجرة والضغوط
الدولية التي تتعرض لها أوروبا بسبب الأوضاع الكابوسية التي يعيشها
اللاجئون في وجه الضغوط الدولية التي يتعرضون لها من أجل إنهاء الأزمة
الليبية. وفي السياق نفسه, نقلت الكاتبة عن صياد إيطالي رفض الكشف عن اسمه
قوله إن عدد حثث المهاجرين بات من الكثرة في البحر حتي إنها باتت تعلق
بشباك الصيد أكثر من الأسماك! وأضاف هذا الصياد أنه هو وزملاءه دأبوا علي
إعادة هذه الجثث إلي البحر مرة أخري أو إلقائها علي الشاطئ دون التبليغ
عنها, قائلا إن أحدا لن يستطيع العيش بدون مركبه لمدة يوم واحد, وعلي أي
حال, فإن دفنهم في البحر ما كان ليختلف كثيرا عن الطريقة التي كانت ستعامل
بها جثثهم علي الأرض!
وتختتم المجلة تقريرها بقول طاهر طابي المواطن التونسي الذي يبلغ من
العمر33 عاما العالق في لامبيدوزا: أخذت كل مدخرات عائلتي وتركتهم في أوضاع
معيشية لا يعلمها سوي الله علي أمل أن أجد عملا في أوروبا, لم أكن يوما
أحلم بالسفر إلي أوروبا, ولكن ها أنا فيها الآن بعد الثورة, ولا طريق أمام
سوي الاستمرار.