اختتم مهرجان مساحات شرقية فعالياته بمحاضرتين ركزتا على علاقة الموسيقا بالتاريخ في مصر وسورية القديمةوفي البداية تحدث الباحث الفرنسي فريدريك لاغرانغ حول تسجيلات الموسيقا الراقية المصرية في مطلع القرن العشرين واقتحام شركات التسجيل سوق الشرق الأوسط هو أحد أهم التحولات التي أثرت في الموسيقا المصرية في تلك المرحلة والأسطوانة هي أحد مصادر المعلومات عن موسيقا النهضة، وعن أول اسطوانة في مصر قال: «إن أول حملة تسجيل للأسطوانات في مصر تعود إلى عام 1903 بمبادرة من شركة أوروبية تدعى جراموفون وزنوفون التي لم يشارك فيها أي مطرب ذي شأن إنما اقتصرت على مطربين من الدرجة الثانية لكن في عام 1905 انضمت إلى الحلبة شركتا أدوديون وبيكا الألمانيتان لتبدأ حينها ظهور تسجيلات لكبار المطربين ولاسيما المنيلاوي وسلامة حجازي مؤكداً أن ظهور الاسطوانات أتاحت فرصة للسواد الأعظم لكبار المطربين كي يسجلوا أهم ما حواه رصيد مدرسة النهضة من الغناء الراقي من مواد».
وأشار لاغرانغ في حديثه أيضاً إلى نشأة الاسطوانات وأنواعها وتطورها قائلاً: «إن صناعة الاسطوانة كانت مصدر تحولات اجتماعية وشكلية إذ أحدثت انقلاباً جذرياً في مستوى مؤسسات الموسيقا وفي أدائها حيث أصبحت شركة الاسطوانات تضطلع بدور محوري في تمويل الإنتاج الغنائي موضحاً أنه باتساع دائرة الجمهور انتهت هيمنة الموسيقا الراقية على الإنتاج ووجد المطربون والعوالم أنفسهم مجبرين على خوض غمار الموسيقا الخفيفة ولاريب في أن الأغنية الحديثة التي ظهرت في الثلاثينيات جاءت لتلبي حاجة الشركات التجارية».
وفي محاضرة للباحث السوري فراس السواح بعنوان «نشيد الأنشاد» المنسوب إلى الملك سليمان وعلاقته بنصوص سورية القديمة حاول السواح التعريج على البحوث ذات الطابع الغنائي في الشرق التي كانت تتلى في مناسبات خاصة.
وأشار السواح إلى أن نشيد الأنشاد المنسوب إلى الملك سليمان يتألف من مجموعة غنائيات طقسية تنتمي لكتاب التوراة في العهد المسيحي القديم، وأن هذه الترنيمة الغنائية كانت مختلفة عن بقية نصوص التوراة لأنها كانت عذبة وملأى بالتصاوير الحسية وهي تحكي قصة حب بين الراعي الملك سليمان والفتاة التي كان يحبها، وبين أن هذه المقطوعة الغنائية كان تؤدى بصوتين للراعي والحبيبة يفصل بينهما صوت مجموعة تعلق على الأحداث بالاعتماد على الترجمتين الكاثوليكية والبروتستنينة.
وتحدث السواح عن التفسيرات التاريخية المختلفة لهذا النشيد وصفة القداسة التي أسبغت عليهما إضافة إلى علاقة النصوص التاريخية التي اكتشفت في سورية في تفسير معاني نشيد الأنشاد. أما الحفلة الموسيقية فأحياها قارئ المقام العراقي الفنان حسين الأعظمي حيث أدى مجموعة من المقامات العراقية المختلفة.
وفي الأيام السابقة قدمت «مساحات شرقية» مجموعة من الفرق الموسيقية المختلفة دمجت بين مناخات عدة من الطرب والعزف والإنشاد البيزنطي والسرياني، فقدم عازف العود السوري كنان أدناوي مختارات من تأليفه على عدة مقامات موسيقية كالحجاز والبيات والنهاوند.
أما جوقة القديس رومانوس الحمصي فعزفت مجموعة من مختارات الموسيقا الكنسية البيزنطية كان أبرزها يا مريم نسجد لآلامك أيها الرب قيامة المسيح. كما قدمت فرقة الفخارون مجموعة من التراث السرياني حيث اختارت مختارات من ألحان دير زعفران وألحان أخرى من قرى وبلاد الشام استلهمتها من مقامات الرصد والبيات والحجاز والصبا.
وقدم المغني الإيراني محمد معتمدي مجموعة من الغناء الفارسي الكلاسيكي. وقد افتتحت فعاليات مساحات الشرقية لهذا الأسبوع بأمسية موسيقية أحياها كل من عازف العود السوري عصام رافع وعازف القانون السوري فراس شهرستان بمشاركة الموسيقي التركي فكرت كاركايا على آلة الكمنجة التركية القديمة، كما ألقى بعض الباحثين مجموعة المحاضرات عن الموسيقا الشرقية، ففي يوم السبت تحدثت الأستاذة ميريام ماريستو فرنسا عن أوركسترا الملكة في مملكة ماري من الألف الأول والثاني والثالث قبل الميلاد، أما مارغو بوسكيه من فرنسا أيضاً وتحدث عن أنماط الآلات الموسيقية في سورية في التاريخ ذاته.