في هذا الحوار الذي أجريناه معه في مكتبه في وقت متزامن مع اجتماع مجموعة الثمانية الكبار في باريس، المخصص لمكافحة المخدرات، يعطي المدير العام لديوان مكافحة المخدرات، عبد المالك سايح، قراءاته في أبرز تحولات الظاهرة.
بداية، ماذا عن حصيلة ما تم حجزه خلال العام الجاري؟
حجزنا نحو 17 طنا من القنب الهندي المغربي، أم بالنسبة للمخدرات الصلبة فحجزت مصالح الأمن 1,6 كلغ من الكوكايين و1,1 كلغ من الهيروين،
نحن نقترب خلال أربعة أشهر فقط من حصيلة حجوزات الحشيش المغربي خلال العام الماضي كاملا، ونعود إلى مستوى قريب من حصيلة 2009؟
هذا صحيح..
لماذا؟
الكمية الأكبر من حجوزات القنب الهندي المغربي في السنوات الماضية، كانت تسجل عبر المنافذ الجنوبية الغربية، وهي منافذ الشبكات الكبيرة التي تنقل حمولات قد تصل إلى 10 أطنان أو أكثر من الحشيش المغربي، ولأن مصالح الأمن والجيش كثفت تدخلها عبر المنافذ الجنوبية الغربية ووجهت ضربات موجعة لتلك الشبكات، فيبدو أنها عمدت خلال العام الماضي إلى تخفيف نشاطها مؤقتا على تلك المسالك، لتحويل الأنظار عنها، وانعكس ذلك على أرقام العام الماضي من الحجوزات التي انخفضت ثلاث مرات لتلامس 26 طنا فقط، غير أنها عادت لاستعمال منافذ الجنوب الغربي باعتبارها ممرا حيويا واستراتيجيا لها لا يمكنها أن تتخلى عنه مطولا.
وماذا عن قراءتك لحجوزات المخدرات الصلبة، الكوكايين والهيروين؟
قد لا تكون الأرقام كبيرة، لكن الأمر الخطير والملفت أن حجوزات أربعة أشهر من الكوكايين زادت بنسبة النصف عن ما حجزناه طوال العام الماضي، وحجزنا من الهيروين في نفس الفترة 10 أضعاف حجوزات العام الماضي. هذا يؤكد أننا نواجه منحى تصاعديا في الظاهرة.
كيف يمكن تتبع الأثر المالي لتجارة المخدرات؟
هذا أمر يتطلب تنسيقا كاملا من مختلف الأجهزة والمؤسسات الأمنية والبنكية والمالية والعقارية المختصة، وأحيانا يتم تمويل الصفقات عن طريق عمليات استيراد وهمية، مثل ما هو الأمر للمتهم الرئيسي في قضية نقل1 طن من الكوكايين التي ضبطت في إسبانيا وكانت متجهة إلى الجزائر سنة 2006، حيث كان يغطي على العملية بصفقات استيراد لتجهيزات صحية، واعترف أنه استورد ثلاث حاويات مماثلة من البضاعة المصرح بها.
هل هناك تقديرات ما حول حجم الاستثمارات العقارية لبارونات المخدرات في الجزائر؟
لا يوجد عمل إحصائي شامل، لكن عملنا في الميدان يسمح لنا بالقول بوجود استثمارات و عمليات تبييض أموال كبيرة مصدرها تجارة المخدرات في شراء أملاك عقارية ومنقولة في العاصمة وفي عدة ولايات حدودية، لقد اشترى تجار المخدرات أحياء بأكملها في مغنية والوادي وبالمحمدية في العاصمة.
بعد عملية اسبانيا حجزت قوة بحرية فرنسية حمولة كوكايين قبالة سواحل غينيا بيساو، ربما تكون أكبر حمولة كوكايين تحجز في طريقها للجزائر، حسب الرواية الفرنسية؟
لا نعلم شيئا عن القضية، التي لم نسمع عنها سوى بعد فترة طويلة عندما اطلعنا عليها في تقرير أممي مبني على معطيات فرنسية، جاء فيه أن العملية جرت في فيفري 2008 وقادتها قوة تدخل بحرية فرنسية قالت إنها حجزت 3 أطنان من الكوكايين على متن باخرة بنامية قبالة ساحل غينيا بيساو، وقالت أنها كانت متجهة للجزائر.
هل يعني ذلك أن التعاون الدولي لمكافحة المخدرات دون المستوى المطلوب؟
أكتفي بالقول إنه في عملية حجز 1 طن من الكوكايين في إسبانيا كان التعاون مثاليا وكبيرا ما بين البلدين، خلال كل أطوار التحقيق الأمني والمتابعة القضائية للمتهمين.
يتهمك المسؤولون في المغرب شخصيا بتعمد المبالغة في تقدير خطورة وحجم زراعة وتجارة القنب الهندي المغربي؟
تقارير وأرقام الهيئات الأممية والإقليمية المختصة وذات المصداقية تعطي صورة واضحة عن حجم الظاهرة.
لماذا تركزون على خطورة تجارة الحشيش المغربي على الجزائر، في حين لا يبدو أن الأوروبيين مكترثون بنفس الدرجة بالموضوع؟
تفيد الإحصاءات الرسمية أن أوروبا تتجه إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القنب الهندي عبر الزراعة المحلية التي تأخذ في كثير من الأحيان شكل زراعة منزلية. أرقام الأمم المتحدة تقول إن القنب الهندي المغربي المعروف لدى مهربيه ومستهلكيه، بأنه من أجود أنواع القنب الهندي، يشكل أزيد من 60 بالمائة من الإنتاج العالمي، وهو يجد منافسة من أنواع أخرى من القنب الهندي أفريقية المصدر. كل ذلك يجعلنا نقول من أن الجزائر أصبحت فعلا أكبر سوق استهلاكية لهذا المخدر، وهنا مكمن الخطورة.
هذا كان له أثره أيضا على سعره في السوق الجزائرية؟
سعر الكيلوغرام الواحد لم يعد يتجاوز 8 ملايين سنتيم، بل أصبح يقايض بمواد مدعومة في الجزائر، مثل البنزين والسميد، ولفة السيجارة الواحدة في حدود 50 دج، لو استمر الوضع هكذا، سيصبح قريبا جدا مثل سعر السيجارة من التبغ التجاري العادي.
شبكات تهريب الكوكايين أصبحت تفضل نقل حمولتها جوا مباشرة عبر طائرات شحن خاصة إلى منطقة الساحل، ما دوافع هذا التحول؟
أولا للاقتراب أكثر من منطقة المغرب العربي حيث توجد الشبكات المغربية التقليدية التي لها الخبرة والقدرة اللازمة لنقل الحمولة إلى أوروبا، ولها قنواتها الخاصة مع الجماعات الإرهابية التي توفر لها حماية المسلك الصحراوي خلال نقل الحمولة، وثانيا لتخطي الحواجز الجغرافية التي تعيق عملية هبوط طائرات الشحن.
هذا أفرز أيضا تحول شبكات الحشيش المغربية نحو الكوكايين؟
هذا صحيح، كما برزت ظاهرة جديدة هي مقايضة الحشيش المغربي بالكوكايين، بين الشبكات المغربية التقليدية وزبائنهم القدامى في المنطقة، الحشيش يذهب لدول المغرب العربي والشرق الأوسط، والكوكايين يأخذ طريقه لأوروبا. يعتقد أن الشبكات المغربية استلمت 3 أطنان من 20 طنا من الكوكايين وصلت منطقة الساحل الإفريقي.
يعني أن الأسواق الإفريقية والمغاربية ليست مغرية بالنسبة لشبكات الكوكايين؟
الأمر يتعلق بالمردود المالي، في دول الساحل الإفريقي، مثل مالي وموريتانيا يصل سعر الكلغ الواحد من الكوكايين إلى 14 ألف أورو، أما في أوروبا فيمكن أن يصل بأسعار البيع بالتجزئة للمستهلكين إلى أكثر من 250 ألف أورو.
ما نصيب الجماعات الإرهابية من هذا المبلغ؟
حجوزات العام الماضي من الكوكايين في إفريقيا الغربية وصلت إلى 20 طنا، نعتقد أن حصة الجماعات الإرهابية وشركاءها الآخرين في نقل تلك الحمولات، تصل إلى أكثر من 300 مليون أورو.
على ضوء النقاش الذي عرفه اجتماع مجموعة الثمانية الكبار، أين ترى من الضروري أن يتركز المجهود الدولي لمكافحة المخدرات؟
يجب أن يشمل المجهود الدولي كل أنواع المخدرات واعتبارها على نفس الخط من الخطر على صحة وأمن الأشخاص والدول، كما يجب التركيز بشكل خاص على العلاقة الترابطية التي تقترب من حالة اندماج ما بين الإرهاب وتجارة المخدرات. أريد أن أوضح هنا أن اجتماع الثمانية الكبار جاء متزامنا مع تعالي أصوات دولية تطالب بنقل أمر مكافحة المخدرات إلى اختصاصات مجلس الأمن الدولي، على اعتبار أنها أصبحت تشكل تهديدا مباشرا للأمن الدولي، وهو ما يجعل بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، يريدون ترخيصا أمميا بتنظيم عمليات تفتيش دولية في عرض مياه البحر، خارج أو داخل المياه الإقليمية للدول.