يدور نقاش واسع حول كمية البترول التي سيحتاجها العالم في السنوات المقبلة, وهي مسألة تعتريها أيضا بعض الشكوك. إلا أن هناك توافقا عاما علي اتساع دور بلدان منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك.
في تزويد الأسواق العالمية باحتياجاتها البترولية نظرا إلي بلوغ البلدان غير الأعضاء في المنظمة ذروة إنتاجها, وأن غالبية الزيادة المطلوبة في السعة الانتاجية سيكون مصدرها بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وسوف تتطلب زيادة السعة الانتاجية في المستقبل والتي ستؤدي إلي المزيد من الصعوبات التقنية, استثمارات بمئات مليارات الدولارات. وتحتم مواجهة هذا التحدي علي شركات البترول الوطنية وشركات البترول الدولية دمج مهاراتها وقدراتها ومواردها في إطار شراكات طويلة الأمد.
مع تخطي سعر برميل البترول عتبة المائة دولار من جديد, احتدم النقاش حول التوازنات المستقبلية للعرض والطلب علي البترول فمن جهة, هناك تحذيرات من تراجع كبير في أسعار البترول بحلول سنة2015, بينما يسود من جهة أخري اعتقاد بأن الأسواق تحصل في الوقت الراهن وسوف تستمر في الحصول علي إمدادات كافية ووسط بحر من التحليلات, يتفق الطرفان علي أمر واحد وهو أن دور بلدان منظمة أوبك في تزويد الأسواق العالمية باحتياجاتها البترولية سيتسع نظرا إلي بلوغ البلدان غير الأعضاء في المنظمة ذروة إنتاجها خلال السنوات المقبلة.
وخلال العقد الماضي, كانت بلدان الاتحاد السوفياتي السابق المنتجة للبترول المحرك الرئيسي للإنتاج البترولي للبلدان غير الأعضاء في أوبك. وعلي نقيض هذه البلدان, شهدت العديد من البلدان المنتجة للبترول غير الأعضاء الأخري تراجعات كبيرة في الإنتاج. وقال الدكتور رائد قمبرجي, و هو نائب رئيس في بوز أند كومباني إنه مع تراجع الإنتاج من الحقول الحالية بمعدل نحو5 في المائة سنويا, تتوقع وكالة الطاقة الدولية بلوغ البلدان المنتجة للبترول غير الأعضاء في أوبك ذروة إنتاجها بحلول منتصف العقد المقبل. ونتيجة لذلك, تتوقع المنظمة ارتفاع مساهمة البلدان الأعضاء في أوبك في أسواق البترول العالمية من42 في المائة في عام2011 إلي52 في المائة في سنة2035 وهو مستوي لم يسبق له مثيل منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي.
ومع خروج الاقتصاد العالمي من فترة انكماش حاد, تبقي تقديرات نمو الطلب علي البترول والاستثمارات المطلوبة ذات الصلة غير مؤكدة بدرجة كبيرة. وسوف تتراوح تقديرات منظمة أوبك للاستثمارات الجديدة في السعة الانتاجية البترولية بين180 و430 مليار دولار بين اليوم وسنة2020, وهذا يتوقف علي عوامل نمو الاقتصاد العالمي. وقال آشيش ستري, المدير الأول في بوز أند كومباني إنه حتي لو كان الوضع كذلك, فإن التعافي في الطلب علي البترول الذي بدأ في عام2010 يعني ازدياد استخدام السعة الإضافية ويتوقع محللو القطاع اقتصار السعة الإضافية علي مليوني برميل في اليوم بين سنتي2013 و2015 وهو مستوي شبيه بذلك المسجل في الفترة بين عامي2006 و2008, عندما قفزت الأسعار من30 دولارا إلي145 دولارا للبرميل.
وسوف تستمر بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في احتلال موقع الصدارة لناحية زيادة السعة الانتاجية. فمع التوجه إلي حدوث تطورات أكثر تشعبا وفيها المزيد من التحديات, من المرجح أن تؤدي إضافة سعة جديدة إلي فرض طلب أكبر علي الشركات الوطنية للبترول. وتتضمن التحديات المتوقعة تطوير مخزونات أقل إنتاجية وأكثر تعقيدا, وتطوير زيوت ثقيلة ورديئة, وتطوير حقول أصغر وواعدة أقل, وتعاف بترولي محسن, وتعاف بترولي معزز وازدياد تعقيدات المشاريع.
وفي مواجهة هذا التراجع, تواجه البلدان الأعضاء في أوبك وشركات البترول الوطنية فيها معضلة كيفية تخطيط زيادات السعة في مواجهة اضطرابات السوق وصعوبات فنية أكبر. وسوف تتطلب مواجهة هذه التحديات بنجاح تعاونا أوثق بين شركات البترول الوطنية وشركات البترول الدولية يقوم علي مجموعة متكاملة من الأهداف والغايات. وأشار دايفد برانسون, المستشار التنفيذي في بوز أند كومباني إلي أنه سيكون من المهم بالنسبة إلي حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تكييف أنظمتها الضريبية البترولية للتلاؤم مع أهداف شركات النفط الوطنية وشركات البترول الدولية, بما يضمن من ناحية استفادة هذه البلدان لأقصي حد من قيمة مواردها والانتفاع من أي انتعاش اقتصادي, وبما يؤمن من ناحية أخري عائدات مقبولة للشركاء من شركات البترول العالمية لتحفيز تعميم التقنية والاستثمار فيها.
وتقسم الأنظمة الضريبية البترولية إلي ثلاث فئات رئيسية, ويتمتع كل نظام بتعريفاته وآليته الخاصة لتوزيع الإيرادات بين الحكومة المستضيفة/ شركة البترول الوطنية وشركة البترول الدولية وتتمثل في أنظمة الضرائب والامتيازات التي تعد الميزة الرئيسية لنظام الضرائب والامتيازات هو الحق في تحويلات البترول والغاز المنتجة إلي شركة البترول الدولية عند الاستخراج, مما يعطي شركة البترول الدولية الحق في التخلي عن حصتها من أسهم النفط والغاز المنتجة اما النظام الثاني وهواتفاقات تقاسم الإنتاج التي تعمل شركة البترول الدولية بموجب اتفاق تقاسم الإنتاج كـمتعاقد مع شركة البترولية الوطنية; و يمكن تحويل الحق في البترول والغاز إلي شركات البترول الدولية أو عدم تحويله, ولكن, في أي حال, لا يتم التحويل عند الاستخراج وفيما يتعلق بالنظام الثالث المتمثل في اتفاقات الخدمة التي تعمل شركة البترول الدولية بموجب اتفاقات الخدمة كمتعاقد مع شركة البترول الوطنية وتحصل علي رسوم محددة مسبقا لقاء تأدية نشاط معين ويبقي الحق في البترول والغاز مقتصرا حصرا علي الحكومة المستضيفة.
ورغم الاختلافات الجوهرية بين هذه الأنظمة, فإن لها عددا من الخصائص الضريبية والاقتصادية والمحاسبية والمالية المشتركة التي جعلت من الصعب التمييز في ما بينها. واليوم يستعين كل نظام عناصر من النظامين الآخرين, بما في ذلك خصائص مشتركة مثل مشاركة الدولة والعلاوات و الدفعات الضريبية, و تغطية التكلفة وتقاسم الأرباح.
ويتزايد اهتمام شركات البترول الدولية باتفاقات تقاسم الإنتاج علي اعتبار أنها تؤمن قاعدة عادلة لاستثماراتها, بما أن الاتفاقات توفق ما بين أهداف شركة البترول الوطنية( مثلا الموارد والعمليات) و أهداف شركة البترول الدولية( مثلا الحصول علي الموارد وارتفاع الأسعار, وحجز الاحتياطات). وعلي النقيض من ذلك, لا توفر الضرائب واتفاقات تقاسم الخدمة عموما هذا المستوي من التوافق, بما أنه يمكن اعتبار توزيع المخاطر والمنافع خيارا يعطي الأفضلية لأحد الأطراف وبغض النظر عن اختيار النظام الضريبي, تنظر شركات البترول الوطنية في عدد من المبادئ الموجهة في تصميم الأنظمة الضريبية الملائمة وتنفيذها في إيجاد قاعدة منافسة تضمن تحقيق الحكومة المستضيفة أهداف الإنتاج والتعافي الخاصة بها مع استخلاص أقصي قيمة من مواردها من النفط والغاز, و الاستفادة كذلك من أي ارتفاع في الأسعار و ضمان حصول شركة النفط الدولية علي حصة عادلة من المكافآت متلائمة مع خصائص الفرصة والمخاطر الفنية وغير الفنية المحددة التي يمكن أن تواجهها و توفير نظام مستقر وقابل للتوقع يؤمن قاعدة طويلة الأمد للاستثمار ويكون قادرا علي التكيف مع التحديات والنتائج التقنية غير المتوقعة.
قد تبقي بلدان المنطقة العاجزة عن تصميم أنظمتها الضريبية بشكل ملائم قادرة علي استقطاب الاستثمارات الخارجية, لكنها تواجه خطر بناء علاقات عمل قصيرة الأمد. وسوف تكون الشراكات القابلة للاستمرار هي تلك القائمة علي تفاهم متبادل حول ما سيجعل الطرفين يزدهران وسوف تختلف الأرضية الوسطية بين بلد وآخر. وختم قمبرجي بالقول إن هناك أكثر من طريقة لتحقيق توازن ملائم, لكن مع أخذ هذه المبادئ والدروس في الاعتبار, سوف تكون حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أقرب خطوة من استقطاب الشركاء الذين ستكون في حاجة إليهم للاستفادة للحد الأقصي من قيمة مواردها الطبيعية وجعل المنطقة في موقع يمكنها من تلبية الطلب العالمي علي الطاقة, المتزايد بشكل منقطع النظير, والاستفادة منه