كنت أراقبه حين تسلل بخطاه المترددة بين القبور
يفتش بعينيه الحائرتين بين الشواهد
لينتهي الى ضريح لم يبدو عليه ما يميزه فيقف برهة
يدمدم بكلمات لم اكن على مسافة منه تمكنني من فهمها
تفحصته بنضرة فضولية
فبدا لي في نهاية عقده الاول من العمر
وبدا سواد شعره الاجعد القصير وبشرته السمراء متناسبا ولون ثوبه القديم
الذي تدلت الاهداب من أذياله
وظهرت جليا آثار الاصلاحات المتوالية عليه
والتي تدركها دون عناء من تعدد الوان الخيوط المستخدمة في ذلك
لم يكن ثوبه يتعدى منصف ساقه لتبدو قدمه الحافية معفرة بالتراب
انه يستدير جهة الشاهد فينحني بجسمه النحيل ليضع باقة من الزهور
ثم يستقيم مجددا فينظر حوله وكأنه يخشى الرقيب
ثم ينصرف ملتفتا الى الوراء بين الفينة والاخرى لكأنما يودع شخصا لايهوى فراقه
بل كأنه ترك فؤاده في المكان وغادر
ماأن ابتعد الطفل حتى قادني فضولي الى الضريح
لاجد باقة من الازهار الجميلة أسندت الى شاهد الضريح
وقد زرعت وسطها رسالة كتب فيها:
أبي الحبيب :
لن أشعر بالوحدة حين أرى الاطفال يلعبون فرحين في حديقة الحي
وآبائهم يراقبونهم من بعيد
لن أحس بالحسرة حين أرى أبا يحمل ابنه على كتفيه
أو يمسح بيد حانية شعره أو يهدهد على ظهره بحنان
لن أشعر بالانكسار حين أسير وحيدا حافي القدمين في الشارع
فأرى أبا يأخذ بيد ابنه يمسكها بيمينه ليقتاده الى المنزل
لن أشعر بالذل حين ارى الاطفال يتجمعون أمام الحانوت ليشتروا الحلوى
بينما لا أملك انا النقود لذلك
ولن تسيل دموعي عندما أفتح خرانتك وأخرج ثيابك فأشمها لاجد فيها رائحتك تملأ المكان
لن أشعر بالالم عندما آوي مساءا الى فراشي فلا تتبعني للتطمئن علي وتضع علية غطاءي
ثم تقبلني وتغادر الغرفة مغلقا الباب
ولن أشعر بالخيبة والاحباط عندما أفتح عيني صباحا فلا أجدك تدخل البيت
عائدا من صلاة العيد بإبتسامتك المشرقة فتملأ البيت ضياءا
تحمل بيدك الكريمة هديتي فتجثي على ركبتيك فاتحا ذراعيك
لاركض اليك وألقي بنفسي في حضنك لتضمني فتغمرني دفئا وحنان
تصحبني بعدها الى بيت جدي لارى جدي وجدتي
عمي وعمتي وألعب مع أبنائهم الضغار في فناء البيت
لن أشعر أبدا بكل هذا
بل سأشعر بالفخر والاعتزاز لانك بذلت دمك الطاهر وروحك الزكية
لينعم كل هؤلاء بما هم عليه
وأرفع رأسي عاليا لأنك سقيت بدمك الطاهر تراب الوطن ليبقى حرا أبيا
ويبقى اسمه شامخا ورايته خفاقة تعانق السحاب
ولن أتمنى أبدا لو أنك لم تفارقنا لأنني أعلم أنك تعيش خالدا في وجدان الأمة
وتتجسد روحك الزكية في ابتسامة كل طفل يعيش مطمئنا على تراب هذا الوطن
فارقد هانئا ونم قرير العين فاني انتضر بفارغ الصبر لقائك في السماء