.-
بعيدًا عن التجديفِ في مساحاتٍ لا تمت للواقع بصلة .. و بشفافية أكثر .. سأحاول ملامسة بعض الحقائق .. حتى يتسنى لنا إيجاد صياغة كاملة لعدد من التصورات في قالب واحد , إطاره , معرفة ما يحيط بنا من أخطار وخلق لغة تحاورية تقرب وجهات النظر وتقبل الطرف الآخر يندرج تحت مظلة :
( تنشئة جيل قادر على تخطي الأزمات )
مدخل :
العقيدة والتعامل مع الحاضر . إذا لم يتواجد ذلك في قلب ووجدان الإنسان فلن نجده في مكان آخر , العقيدة والتاريخ وسط معمعة الأحداث المعاصرة هما من تبقى لنا حتى نستطيع من خلالهما صياغة تعاملاتنا مع ما يحيط بنا من متغيرات . وهما الطريق الوحيد والذي يؤدي إلى رأب الصدع أو محاولة التقليل من حدته بين شرائح مجتمعنا العربي والإسلامي , من أجل التفرغ لما يواجههم من تحديات . فالتحديات المعاصرة وقضايا الأمة , تبدأ من القمة لتتدرج في منحدر خطير تبدأ كهاجس عام ثم تصبح هاجس حزب معين . ولن نذهب بعيدا .. فمجتمعاتنا تثور ثائرتها عند ذروة الأزمات .. وتقل هذه الثورة تدريجيا حتى تتلاشى لتطفو على السطح مع أزمة أخرى .. متناسين إعداد العدة لتلافي هذه الأزمات .. في الماضي كانت هذه الأزمات تشغل ذهن مجتمعاتنا صباح مساء ومع تقدم الزمن أصبحت بالنسبة لنا جزئية تأتي بين فينة وأخرى . فكم من قضية كانت في الماضي تشغل ذهن مجتمعاتنا على حد سواء .. ثم أصبحت تشغل ذهن شريحة إقليم واحد .. بل وتطور الأمر لتصبح تشغل فئة قليلة من شريحة ذلك الإقليم . لأقرب الصورة أكثر فلسطين مثلا .. كانت في الماضي قضية المسلمين عامة ثم تحولت قضية عربية ثم تحولت إلى قضية فلسطينية ثم تحولت إلى قضية لجزء من الفلسطينيين .. ولنقيس على ذلك قضايانا الأخرى .. في العراق .. والثغور الأخرى .. وكلمة ثغور هنا أعني بها كل الجوانب سواء جهادية أو فكرية .
وإذا سلمنا أن لكل انهيار سبب .. لذا كان من المنطق أن نبحث عن هذا السبب لنوجد له الطرق العلاجية اللازمة . فلغة الحوار بين شرائح مجتمعنا أصبحت حلقة مفقودة .. والمثالية التي تتعالى على الواقع تكون منفصلة عن حياتنا اليومية وهروب من الواقع .. ومثالية المفكرين والكتاب والساسة في أطروحاتهم وخطبهم . لا تنشئ جيل يفكر ويدرك ما يحيطه من أخطار .. فالتعالي على الواقع من خلال ما يقدم لنا من أطروحات فكرية أو عقدية أو تاريخية ما هو إلا تنظيرا فقط لأن الجانب النظري لها سيبقيها محنطة لتُستخدم قياسات منطقية لا أكثر .
لنجد أنفسنا أمام عدد من الأسئلة لعل من أبرزها :
- ما هي السبل المثلى لإيجاد لغة حوار بين كافة شرائح مجتمعاتنا والتي من خلالها يتم رأب الصدع وتضييق الفجوة الموجودة بينها حتى نقضي على ما يعتريها من خلافات ( أي ) التقريب بين وجهات النظر.. حتى نصل إلى نقطة تلاقي .. نستطيع بعدها أن نتفرغ لما هو أهم ؟
- ما هي السبل المثلى التي من خلالها يتم غرس أهمية وأولوية قضايا الأمة في نفوس النشء الجديد حتى تصبح هاجسا فكريا لهم ..؟
- أنظمتنا الفكرية والسياسية هل لها دور في إضعاف حضورنا على الساحة , من خلال عدم مقدرتها على التنشئة السليمة لجيل بأكمله .. وإذا كانت كذلك هل تحتاج إلى غربلة .؟
- العولمة تحيط بنا من كل جانب , هل نرفضها ؟ أم نقبل بها ؟ وإذا قبلناها هل نمتلك البوصلة ؟
-
أولاً : أهمية عدم التعويل كثيراً على الأنظمة السياسية في الوطن العربي، والسبب أن الأنظمة السياسية في الوطن العربي لا تأتي وفق انتخابات حرة ونزيهة حتى تمثل رأي الشعب، ولذلك يعد التعويل الكامل عليها أشبه ما يكون بتضييع الوقت فيما لا طائل منه، مع الاهتمام بمحاولة اختراق هذه الأنظمة من الداخل لتوصيل صوت الشعب أو التأثير على صناع القرار، بنسب ولو كانت صغيرة.
ثانياً : أن تكون الفكرة موجهة كذلك للتيارات الإسلامية بوصفها التيارات الأكثر تأثيراً في المجتمعات العربية و الإسلامية، ويمكن بلورة تيار اسلامي وسطي يقوم على عدة أسس :
1- فقه الأولويات : و منه التمييز بين أولوية القضية، على سبيل المثال أولوية قضية فلسطين على قضية قيادة المرأة للسيارة!، و منه التمييز بين أولوية العدو، و على سبيل المثال أولوية عداوة إسرائيل على عداوة إيران، و منه التمييز بين أولوية الوحدة، و على سبيل المثال أولوية التوحد في مواجهة العدو على أولوية التوحد على أسس عقدية بحته وصارمة.
2- فقه الواقع والسياسة: ومنه معرفة الأسس التي تقوم عليها سياسيات الدول المؤثرة في المنطقة التي تحمل القضية ذات الأولوية، ومنه معرفة الأسباب والمصالح التي تقوم عليها هذه الأسس، ومنه معرفة الأساليب التي يستخدمها العدو، ومنه فهم القضايا التي نتحمس لها وتصب في صالح العدو، ومنه معرفة خريطة التحالفات والمصالح المتبادلة بين المحاور الأساسية التي تؤثر في المنطقة، ومنه ربط الأحداث بهذه التحالفات و المصالح،
3- التعامل الموضوعي : ومنه كسب التحالفات التي تخدم القضية ذات الأولوية، ومنه عدم وضع جميع البيض في سلة واحدة، ومنه استخدام البراغماتية كلما استدعى الأمر، ومنه التركيز على القضية ذات الأولوية وعدم فتح جبهات عديدة، ومنه أخذ الرأي العام بعين الاعتبار وعدم مصادمته بل محاولة التأثير عليه وتغيير مواقفه السلبية تجاه قضية معينة، ومنه عدم ظلم الأقليات ولا إثارتها لأنها تشكل عامل اختراق سهل، ومنه عدم إحراق مراحل التغيير، مثل مراعاة أحوال الناس وعدم محاولة التغيير القسري عليهم وإجبارهم على ما لم يتعودوا عليه قبل استدراجهم باللين و اليسر لهذا التغيير.
4- ضرورة التجديد الديني : ومنه فتح المجال للعلماء الراسخين في العلم للاجتهاد و المراجعة، ومنه فقه الاختلاف، وعدم التعصب للمذهب، و التمييز بين أصول الدين وفروعه، ووضع ضوابط معينة يقوم عليها الأحوط و الأيسر، و كيفية الاستفادة من الظاهر و المقصد في طرح آراء فقهية جديدة تتناسب والنوازل، ومعرفة ما "عم به البلاء" ، والتنازل عن رمزية الشخوص مهما كانوا، أو الاعتقاد بأن أقوالهم تقطع قول كل خطيب ! ما عدا صاحب ذلك القبر عليه الصلاة و السلام ، ونبش الأسباب التي من أجلها ضلت بعض الفرق ووضعها تحت المجهر وإعادة دراستها بحيادية الحق ونزاهته، وإعادة خلط المذاهب السنية الأربعة و الاجتهادات المستقلة بعضها ببعض ليس من أجل توحيد الفتيا وإنما من اجل تجسيد المقصد من خلف هذا الاختلاف وهو اليسر في الدين .
5- فقه التعامل باللين وإحسان الظن : ومنه عدم التعصب لرأي معين أو الاغترار بقائله، ومنه عدم مهاجمة المخالفين في نواياهم وعقائدهم، ومنه استمالة قلوب المخالفين لحوار مثمر، ومنه عدم الانتصار للذات على حساب الحقيقة، ومنه عدم التعامل بطريقة فضة و منكرة في إنكار المنكرات، ومنه عدم نصيحة المخالف ما لم يقتنع بأنه على خطأ، ومنه أن يضع الإنسان نفسه في مكان المخالف ويقرأ أفكاره قبل أن يشنعه، ومنه أن يتحمل الخطأ ويصبر على المخالف ويحاول إرشاده إلى جادة الصواب .
-
بقلم : خالد الشمري
20 - 3 - 2010 م