الانتفاضة تكسر القمع الإلكتروني: من يجرؤ على عزل مصر؟!

«سنظل صوت مصر دائما... لن يسكت صوت
مصر... سنظل بكم ولكم... تابعونا دائما». تلك كانت العبارة الأخيرة التي وردت في
صفحة «رصد» على موقع «فيسبوك»، عند الساعة الحادية عشرة من ليل أمس الأول، قبل أن
ينقطع التواصل مع مشغلي «منبر الانتفاضة المصرية» في الداخل. بعد ذلك بدقائق، يتصل
الشاب محمد الجبالي بـ«السفير» ليقول «لقد عطّلوا شبكة الانترنت بالكامل وأوقفوا
الرسائل النصية عبر الهاتف الخلوي، وننتظر انقطاع شبكتي المحمول والأرضي في أي وقت».



حدث ما كان في الحسبان. أصبحت مصر
معزولة عن العالم الخارجي، بعدما فقد نظام حسني مبارك صوابه، محاولاً إجهاض
انتفاضة شعبية ولدت بالفعل، عبر استهداف ميدانها الالكتروني، وهو ما رد عليه ناشط
الكتروني مقيم في الخارج، عرّف عن نفسه باسم «المواطن المصري»، قائلاً لـ«السفير» إن
«نظام مبارك أضعف من أن يجرؤ على عزل مصر!».


«ماذا يجري في مصر؟». سؤال ردده معظم
متصفحي «شبكة رصد» الالكترونية في الخارج، الذين افتتحوا غرفة خاصة للنقاش حول
السبل المتاحة لخرق هذا التعتيم. بعضهم صاغ مسودة رسالة مفتوحة موجهة إلى مختلف
الحكومات وسائل الإعلام العربية والدولية، فيما اقترح البعض الآخر حشد طاقات
الإعلاميين لكي يكسر الصوت المصري القيود المفروضة عليه.


وفي الوقت الذي كان فيه المصريون
يبحثون عن بديل، ثمة من رأى إيجابية في حجب الانترنت. علق أحدهم بالقول «هذه بداية
النهاية للنظام... العالم كله سيعلم أننا نعيش تحت حكم دكتاتوري»، فيما أشار آخر
إلى أن «هذا القمع سيخدم الثورة، فأولئك الذين يتابعون أخبار الانتفاضة على
الانترنت من منازلهم سينزلون إلى الشارع لكي يشاهدوا بأنفسهم ما يحدث... حكومة
غبية!»، في حين تساءل آخر «ما هذا الغباء... هل تعلم الحكومة حجم الخسائر التي
ستلحق بشركات الانترنت والخلوي جراء هذا المنع!».


وحتى الساعة الخامسة فجراً، كانت
الأخبار الواردة على «شبكة رصد» تقتصر على دعوات للتظاهر أمام السفارات المصرية في
واشنطن وباريس وفرانكفورت وجدة ومدن أخرى. وبين الدعوة والأخرى تساؤلات «أين هي
أخبار مصر».


بحلول الصباح، بدا أن التعتيم
الإعلامي قد خرق، إذ نجحت الخطة السريعة التي وضعها المشرفون على «شبكة رصد» في
تأمين «شبكة مراسلين» من المصريين داخل الوطن من خلال ما تبقى من خطوط هاتفية
أرضية، وهو أمر علق عليه أحد مستخدمي شبكة الانترنت بالقول «لقد منعوا الفيسبوك...
لكنهم لم يتمكنوا من منع الناس بوك».


وحتى ليل أمس، كانت «شبكة رصد» تتولى
نقل أحداث الانتفاضة الشعبية الأكبر في تاريخ مصر إلى العالم، مبدية موضوعية لافتة
في نقل الأخبار الواردة من الداخل، عبر تصنيفها في خانة «مؤكد» أو «غير مؤكد»،
بدءاً بما يجري في الشارع، مروراً بالمواقف السياسية، وصولاً إلى التحليلات التي
أوردتها الصحف ومراكز الأبحاث العالمية، مؤمنة في الوقت ذاته مساحة للتواصل بين
المصريين ووسائل الإعلام.


ونقل الشاب عادل محمود، المقيم في
برلين، عبر «السفير»، رسالة من أخيه خالد، الذي فقد الاتصال معه منذ صباح أمس. وقال
عادل إن خالد «يؤكد لجميع المصريين أن شباب مصر لن يعودوا إلى منازله قبل إسقاط
نظام مبارك، وأن الموت بالنسبة لهم أهون من أن يتراجعوا قيد أنملة بعدما بلغت
المواجهة مع هذا النظام نقطة اللاعودة».


من جهته، قال الشاب إبراهيم نجار،
المقيم في فرانكفورت لـ«السفير» إن «ما يجري في مصر اليوم ليس يوم غضب بل يوم حساب».
ويضيف «لقد قررت العودة إلى مصر في أسرع وقت ممكن لكي يفتخر بي أبنائي عندما
يعلمون أنني أسهمت في تحريرها من قبضة مبارك»، مشدداً على أن «ما أسمعه من أهلي في
مصر يؤكد أن النصر قريب».


بدوره، علق الشاب محمد بكري، المقيم
في الإمارات، على مرحلة ما بعد «جمعة الغضب»، قائلاً لـ«السفير» ان «النظام سيضطر
بعد هذا اليوم إلى تغيير اللحن المزيف الذي ظل يعزفه منذ 30 عاماً، والذي يزعم فيه
أنه يمثل خيار الشعب، وأنه لا بديل منه».


واعتبر بكري أن تدخل الجيش «ظهر فشل
قوات الشرطة ومكافحة الشعب بقوامها الذي يتخطى عديده مليوناً و200 ألف عنصر، ما
يؤكد أن عدد المتظاهرين قد تجاوز عدد قوات الأمن، وهو يعني أيضاً أن إرادة الشعب
قد كشف زيف شرعية النظام الذي اغتصب السلطة بالترهيب والتزوير».



من جهته، توقع الشاب أيوب الحصيني «سقوط
النظام بسرعة»، مشيراً إلى أنّ «الجيش هو لحماية الشعب وليس لحماية النظام»،
مشدداً على أن «علاقة الجيش بالشعب حميمة جداً، على عكس الحزب الحاكم ووزارة
الداخلية اللذين اقتصرت وظيفتهما على حماية النظام على حساب مصالح الشعب».



بدوره، أبدى الشاب أنس الجبالي، في
رسالة لـ«السفير»، ارتياحاً لتدخل الجيش المصري بعد انسحاب قوات الأمن من الشوارع،
مشيراً إلى أنّ «الجيش بعقيدته الرئيسية لا يحارب الشعب، فالجندي المصري هو جزء من
هذا الشعب، بفقره وبؤسه ونقمته على هذه المهزلة المستمرة منذ 30 عاماً»، لكنه
اعتبر أن على القيادة العسكرية الآن أن تختار «بين مصالح ضيقة تحمي النظام، ورغبة
الشعب في تحقيق آماله».


ووسط حال الترقب في ذلك اليوم المصري
الطويل، لم يفقد المصريون روح النكتة، فقد أمطر متصفحو شبكة الانترنت نظام حسني
مبارك بالتعليقات الساخرة، ولعل أطرفها قيام أحدهم بنشر خبر مفاده أن الرئيس
التونسي زين العابدين بن علي اتصل بالإذاعة السعودية ليهدي حسني مبارك أغنية «مستنّياك»
للمطربة عزيزة جلال، وآخر مفاده أن «الحكومة السعودية ترفض استقبال مبارك لعدم
وجود كفيل».


وطلب أحد المشاركين في صفحة «رصد» من
المصريين الاتصال بمطار القاهرة الدولي للاستعلام عن «موعد إقلاع الطائرات إلى
جدّة»، في إشارة ساخرة إلى احتمال فرار مبارك على غرار الرئيس التونسي زين
العابدين بن علي، في حين كتب آخر أن «حسني مبارك قرر إشعال النار في نفسه أمام
البرلمان للمطالبة بتغيير الشعب».


الجميع في مصر وخارجها بانتظار عودة
الاتصالات الهاتفية والالكترونية إلى حالتها الطبيعية. بعضهم يرى أنها ما زالت ضرورية
لكي تحافظ الانتفاضة على زخمها... فيما يأمل آخرون بأن تكون وسيلة لتبادل التهاني
مع الأهل والأصدقاء والأحبة ببزوغ شمس الحرية على مصر.