من المواجهات في مدينة سيدي بوزيد التونسية
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تواصل بقعة زيت أعمال العنف والاحتجاجات الشعبية انتشارها في شمال أفريقيا، وتحديداً بتونس والجزائر، حيث ارتدت الأحداث طابعاً دموياً مع عشرات القتلى والجرحى بين المعترضين على الفقر والبطالة والفساد وانعدام الديمقراطية.ويقول محللون إن الجميع الآن في تلك البلدان يحاول "فهم الظاهرة بكافة أبعادها ومسبباتها ومدى كشفها عن هشاشة النظم العربية والمسارات الوعرة لعمليات التنمية."
فقد شهدت الجزائر في الأيام القليلة الماضية سيناريو مشابه تماما لما عاشته البلاد قبل 22 سنة كاملة عن أحداث الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1988، والتي يصنفها الجزائريون على أنها أحداث مأساوية راح يطالب فيها الشعب من حكومته بالتغيير ورفع مستوى المعيشة إلى الأحسن.
وكما هي الحال اليوم، خرج آنذاك الآلاف من الشباب إلى الشوارع يحتجون على الظروف المعيشية الصعبة، والمشاكل الاجتماعية المأساوية من بطالة وفقر ومحسوبية وانعدام المساواة الملموسة جراء نظام الحزب السياسي الواحد آنذاك، حزب جبهة التحرير الوطني.
ونزل الشبان إلى الشوارع في ذلك اليوم بحي باب الواد العريق في ضواحي الجزائر العاصمة، للمطالبة بالتغيير. وعندما تحولت المظاهرات إلى أعمال شغب ونداء للتغيير السياسي بحماس ثوري، تم إخماد الانتفاضة بحمام دم مأساوي أودى بحياة حوالي 500 ضحية.
وحتى اليوم فإن كافة الأسباب اجتمعت مرة أخرى، لتكون وراء أحداث الخامس من يناير/كانون الثاني 2011، التي أسفرت حسب آخر تصريحات لوزير الداخلية والجماعات المحلية، دحو ولد قابلية لـCNN بالعربية عن مقتل ثلاثة مواطنين وجرح نحو 800 شخص من رجال الأمن والمواطنين، فضلا عن اعتقال أكثر من 1000 شخص هم حاليا رهن الحبس المؤقت.
وإذا كان الرئيس السابق، الشاذلي بن جديد قد رد على أحداث 5 أكتوبر، بتقديم تعليماته للوزير الأول آنذاك مولود حمروش لإدخال سلسلة من الإصلاحات السياسية بدءا بالانتقال إلى نظام متعدد الأحزاب وإدخال إصلاحات أخرى في قطاعي الصحافة والاقتصاد، فإن الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة بقي ملتزما الصمت ولم يصدر أي قرار أو يتحدث للشعب، بل كشفت بعض المصادر الإعلامية أن بوتفليقة كان يعالج في سويسرا.
باب الواد بؤرة "المشاكل"في حوادث الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1988 أو في أحداث الخامس من يناير/كانون ثاني 2011 يرى المحللون أن كلا الحادثتين انطلقت شرارتهما من مكان واحد، من حي واحد ومن منطقة واحدة، هي "باب الواد"، التي تعتبر من الأحياء الشعبية القديمة والمكتظّة بعدد سكانها. وكانت معقلا للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وخرج منها الشيخ علي بلحاج الناطق الرسمي للحزب المنحل.
وبعيدا عن الحركة الإسلامية، فإن الأحداث الأخيرة التي وقعت في حي باب الواد من موجة عنف واحتجاجات للمواطنين الذين أبدو غضبهم على ارتفاع الأسعار التي اجتاحت أسواق البلاد منذ الساعات الأولى للعام الجديد حيث قفز سعر صفيحة الزيت من نحو 6 دولارات إلى أكثر من 11 دولار للصفيحة وتضاعف سعر السكر من دولار إلى دولارين. انتقلا بسرعة إلى كامل التراب الجزائري من الشرق عنابة إلى الغرب وهران.
وفي جولة ميدانية لـCNN بالعربية في شوارع باب الواد، استرجع مواطن في الأربعينات من عمره، يدعى (جمال.ب) ذكرياته عن أزمة سنة 1988، التي قال إنها كانت وليدة البطالة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، انتشار ظاهرة المحسوبية والبيروقراطية.
وأضاف: "في الثمانينات اشتعلت جملة من المشاكل سواء الإجتماعية منها أو السياسية، إلى درجة كل شيء صار منعدما لا سكر، لا قهوة لا حليب ولا خبز، الحكومة وقتها أرادت قتلنا وتجويعنا، أما اليوم ففي نظري هي نفس المعطيات، نعيشها ودفعت شبابنا إلى الخروج للتعبير عن رأيه."
وفي المقابل، قال الخبير الاقتصادي الجزائري، فريد بن يحيى لـCNN بالعربية الذي ربط الأحداث التي تشهدها الجزائر بما يحدث في تونس، موضحا الأسباب في قوله: "أعتقد أن سبب هذه الاحتجاجات يرتبط بما حدث في تونس، علماً أن الاعتصامات تتكرر في الجزائر منذ عدة سنوات في أكثر من مدينة، وتندلع في غالب الأحيان بسبب مناسبات وأحداث على غرار مباراة لكرة القدم أو حادث سير أو موت إنسان بسبب تعرضه للتعذيب في أحد مراكز الشرطة."
وأضاف بن يحيى "لكن هناك حقيقة واقعة وهي أن الظروف الاجتماعية في الجزائر تزداد سوءا، وبالذات في الأسابيع الأخيرة ارتفعت مجددا وبشدة أسعار المواد الغذائية، والناس تشعر بهذا ويزيد من شعورهم بها كون أغلبية الجزائريين يعيشون في فقر وبطالة. وبكل بساطة لا توجد لعامة المواطنيين فرصة للعيش حتى حياة نصف كريمة."
أما الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، فقد وصفها عبد الرحمن مبتول، الأستاذ والخبير في الشؤون الاقتصادية، بأنها "حل ظرفي لامتصاص غضب الشارع الجزائري من خلال خفض قيمة السكر والزيت في السوق،" وقال لـCNN بالعربية: "لا جدوى لما فعلته الحكومة لأنها لم تعالج جوهر المشكلة، طالما أنها أجلت رفع الأسعار إلى آخر أغسطس/آب المقبل."
وانتقد الخبير ما وصفه بـ"غياب الإستراتيجية الاقتصادية وعدم وجود الرؤية المستقبلية البعيدة المدى" لدى المسؤولين، وقال إن الحل يكمن في إيجاد آليات للخروج من اقتصاد ريع قائم أساسا على مداخيل الصادرات من المحروقات إلى اقتصاد حقيقي متنوع المصادر.
السياسيون يصنفون الأوضاع بالخطرةوفي الجانب السياسي، فقد اجتمعت آراء مختلف الأحزاب والأقطاب الفاعلة في الساحة السياسية الجزائرية على أن الوضع صار خطيرا خاصة وأن الأزمة هذه المرة خلقها السكر والزيت، بمعنى مواد غذائية تسببت في انفجار اجتماعي كبير.
وهنا راح مصطفى بوشاشي، رئيس الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر يقول لـCNN بالعربية بأن السبب الرئيسي لخروج الأوضاع والمظاهرات عن مسارها الطبيعي والسلمي، هو حالة الكبت ومنع كافة أشكال المظاهرات والاحتجاجات، مضيفا بأن الرابطة قد حذرت منذ سنة من حدوث انفجار اجتماعي.
أما رئيسة حزب العمال، لويزة حنون فقد قالت: "غضب الشبان سبب كاف للإعلان الفوري عن إجراءات وقرارات من أجل تكفّل دائم وفعال بمشكلة البطالة، من خلال حلول حقيقية تستحدث مناصب عمل دائمة لامتصاص حالة اليأس التي تمكنت من شبابنا الذي تطارده البطالة، وتسلل فكرة الهجرة غير الشرعية إلى أذهانه للهروب من واقع مر في بلاده."
أما كريم طابو، الناطق الرسمي باسم حزب جبهة القوى الإشتراكية المعروف بمعارضته الشديدة لنظام الحكم، فقد صرح لـCNN بالعربية قائلا :''الأزمة هي بالدرجة الأولى سياسية، لدرجة أصبح الشارع السبيل الوحيد للتعبير، في الوقت الذي اختار النظام ألا يستمع لأحد، والشعب اليوم يعبر عن عدم رضاه عبر الشارع''.
السلطة تتكلم بلغة الأرقام وتقزم من الحركة الإسلاميةومن جانب السلطة الجزائرية، فإن وزير الداخلية والجماعات المحلية، دحو ولد قابلية أكد على أن أحداث الشغب والإحتجاجات قد طويت صفحتها، وأضاف "لقد لازالت هناك بعض بؤر الشغب في الوسط وشرق البلاد وفي المدن الغربية كولاية تلمسان، لكنها قليلة جدا واحكمنا السيطرة عليها."
وتوعد وزير الداخلية بمحاسبة المتورطين الذين تسببوا في وقوع جروح خطيرة أو قاموا باعتداءات على المواطنين ومحاكمتهم من قبل محاكم الجنايات.
كما أشار الوزير ولد قابلية إلى فشل محاولات بعض القادة الإسلاميين في تبني الأحداث واستغلالها لصالحهم، مشيرا إلى ما تعرض له الرجل الثاني في الحزب المحل، الجبهة الإسلامية للإنقاذ، علي بلحاج، الذي قال إنه "طرد من قبل شباب باب الوادي" وقال "إن هذا الأخير الذي كان يلهب شباب باب الوادي حماسا في التسعينات من القرن الماضي لم يعد تأثيره إلا محدودا الآن."
أما حول الوضع في تونس، فقد قال هايم ملكه، أحد الباحثين في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن: "الشغب والاضطرابات دليل على أن الشبان في المنطقة قد فقدوا الأمل،" وأضاف: "لقد تعرضت طموحات الشباب لضربة قوية بسبب ضعف الفرص وانعدام المحاسبة في مجتمعاتهم."
ويرى إليوت أبرامز، نائب المستشار الأمني لشؤون الشرق الأوسط بإدارة الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، في تصريحات لمجلة تايم أنه "رغم أن شرارة الأحداث بدأت على خلفية اقتصادية، إلا أنها موجهة أيضاً نحو الأنظمة السياسية المجمّدة.. ليس هناك حريات حقيقية للإعلام، أما الانتخابات التي تجري اليوم فهو أسوأ من سابقاتها."
وبيّن أبرامز الفارق السياسي بين الأحداث بتونس والجزائر قائلاً: "هناك أزمة مؤسسات في الجزائر، أما تونس فهي تدار من قبل نظام يعتمد الديكتاتورية التقليدية الذي لا هدف له إلا إبقاء عائلة معينة في السلطة." وأضاف: "في تونس مستويات دخل جيدة، ومجتمع جاهز للسير في طريق الديمقراطية، ولكن العقبة تتمثل في الحكومة."
ويرى خبراء في السياسية الأمريكية أن واشنطن كانت قد قررت منذ سنوات وقف الضغط على الحكومتين التونسية والجزائرية وتعليق دعوتهما إلى انتهاج الديمقراطية، وذلك بسبب دورهما المهم في محاربة الإرهاب في شمال أفريقيا، ولكنهم يشددون على أن السحر قد ينقلب على الساحر، وقد تصبح هذه الأنظمة هي السبب الرئيسي لظهور التطرف.